الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (88)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا رب {وقيله يا رب إن هؤلاء} يعني كفار مكة {قوم لا يؤمنون} يعني لا يصدقون، وذلك أنه لما قال أيضا في الفرقان: {إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} [الفرقان:30]، قال الله تعالى يسمع قوله، فيها تقديم: {يا رب إن هؤلاء}، يعني كفار مكة، {قوم لا يؤمنون}، يعني لا يصدقون بالقرآن أنه من الله عز وجل...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَقِيِله: يا رَبّ إن هَؤُلاءِ قَوْمٌ لاّ يُؤمِنُونَ" اختلفت القرّاء في قراءة قوله: "وَقِيلِهِ "فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة «وَقِيلَهُ» بالنصب. وإذا قرئ ذلك كذلك، كان له وجهان في التأويل: أحدهما العطف على قوله: "أمْ يَحْسَبُونَ أنّا لا نَسْمَعُ سِرّهُمْ ونَجْوَاهُمْ"، ونسمع قيله يا ربّ.

والثاني: أن يضمر له ناصب، فيكون معناه حينئذٍ: وقال قوله: "يا رَبّ إنّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يَؤْمِنُونَ" وشكا محمد شكواه إلى ربه.

وقرأته عامة قرّاء الكوفة "وَقِيلِهِ" بالخفض على معنى: وعنده علم الساعة، وعلم قيله.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار صحيحتا المعنى فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فتأويل الكلام إذن: وقال محمد قيله شاكيا إلى ربه تبارك وتعالى قومه الذين كذّبوه، وما يلقى منهم: يا ربّ إن هؤلاء الذين أمرتني بإنذارهم وأرسلتني إليهم لدعائهم إليك، قوم لا يؤمنون.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أبطل سبحانه شبهتهم ووهى غاية التوهية أمرهم في شركهم وادعائهم الولد وغير ذلك مما تضمنته أقوالهم الفاسدة المنسوبة إليهم في هذه السورة، وأقام حجج الحق ونصب براهين الصدق، وأُبت ما ينفعهم وحذرهم ما يضرهم، حتى ختم ذلك بقوله مقسماً مع جلالة قدره وعظم أمره {لقد جئناكم بالحق} ثم حصر أمرهم في رد ذلك إن ردوه إلى قسمين في حالين:

حال مجاهرة وحال مماكرة، وأخبر أنه لا نجاة لهم على حالة منهما.

ولما كان اشتدادهم في تكذيبهم ومباعدتهم وعنادهم لا يزداد بمرور الزمان إلا قوة أوقع في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم أسفاً ورقة وشفقة عليهم وعطفاً، وصار يشكو أمرهم إلى ربه شكوى المضطر سراً وعلناً؛ إرادة التيسير في أمرهم والتهوين لشأنهم، فاختير للتعبير عن هذا المعنى مصدر "قال "المشترك لفظه مع لفظ الماضي، المبني للمجهول إشارة إلى أن شكواه بذلك كأنها صارت أمراً ضرورياً له لا اختيار له في قوله، فكأنه صار قولاً من غير قائل أو من غير قصد؛ لأنه صار حالاً من الأحوال، ووصل به الضمير من غير تقدم ذكر، إشارة إلى أن ضميره قد امتلأ بتلك الشفقة عليهم والرحمة لهم، فقال تعالى عطفاً على سرهم المقدر بعد {بلى} في قوله تعالى: {إنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى}.

أو يكون معطوفاً على محل الساعة أي "ويعلم قيله" قاله الزجاج، وعدل في هذا الوجه -وهو قراءة الجماعة عن الجر عطفا على لفظها تعظيما لما أوصله إلى هذا القيل من أذاهم، والذي دل على تقدير هذا الفعل قراءة عاصم له وحمزة بالجر فإنه ظاهر في تعلقه بذلك لعطفه على لفظ {الساعة}.

وقرئ شاذاً بالرفع ووجهه أن الواو للحال، أي كيف يصرفون عن اتباع رسولنا الآمر لهم بتوحيدنا في العبادة كما أنا توحدنا بالخلق، والحال أن قيله كذا في شكايتهم، أفيظنون أنا لا ننصره وقد أرسلناه.

{وقيله} الذي صار في ملازمته وعدم انفكاكه حالاً من الأحوال، الدال على وجه قيله وانكسار نفسه بما دلت عليه كسرة المصدر وياؤه المجانسة لها.

والتعبير بقوله: {يا رب} دال على ذلك بما تفيده "يا" الدالة على بعد أو تقديره، والرب الدال على الإحسان والعطف والشفقة والتدبير والسيادة والاختصاص والولاية، وذلك على غير العادة في دعاء المقربين، فإنها جارية في القرآن بإسقاط أداة النداء.

ولما كان الإرسال إليهم- والمرسل قادر -مقتضياً لإيمانهم، أكد ما ظهر له من حالهم بقوله زيادة في التحسر وإشارة إلى أن تأخير أمرهم يدل على أن إيمانهم مطموع فيه: {إن هؤلاء} لم يضفهم إلى نفسه بأن يقول: قومي، ونحو ذلك من العبارات ولا سماهم باسم قبيلتهم لما ساءه من حالهم، وأتى بهاء المنبهة قبل اسم على غير عادة الأصل إشارة إلى أنه استشعر من نفسه بعداً استصغاراً لها واحتقاراً.

{قوم} أي أقوياء على الباطل.

{لا يؤمنون} أي لا يتجدد منهم هذا الفعل.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

في ختام السورة يعظم من أمر اتجاه الرسول [صلى الله عليه وسلم] لربه، يشكو إليه كفرهم وعدم إيمانهم. فيبرزه ويقسم به: (وقيله. يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون).. وهو تعبير خاص ذو دلالة وإيحاء بمدى عمق هذا القول، ومدى الاستماع له، والعناية به، والرعاية من الله سبحانه والاحتفال.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

كلمة (قِيلِه) مصدر لقال، نقول: قال قولاً ومقالاً وقيلاً، فمعنى (قيله) يعني قوله، قول مَنْ؟ قول سيدنا رسول الله يخاطب ربه {يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ} كفار مكة {قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ}.

لاحظ أنه صلى الله عليه وسلم أُوذِي من هؤلاء القوم في نفسه إيذاءاً وفي معنوياته برميه بما ليس فيه من السحر والشعر، والكهانة والجنون، وفي أهله، ولاقى منهم الأمرَّيْن، ومع ذلك لم يذكر شيئاً عن هذا كله، وكل ما اهتم به هو مسألة إيمان القوم، فلم يقُلْ: يا رب إن قومي آذوني وفعلوا كذا وكذا، إنما قال {يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ}.

هذا الذي حَزَّ في نفسه وأغضبه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قطّ ولا غضب لنفسه قط، إنما كانت غَيْرته وغضبه لله وللحق الذي جاء به ودعا الناس إليه...

ومعنى الواو في أول الآية (وَقِيله) هذه الواو بمعنى القسم، فكأن الحق سبحانه يقسم بقول رسول الله {يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} يقول: وبحق هذا القول.

وجواب القسم هنا محذوف للعلم به، أي: لأُعذبنهم عذاباً يشفى صدرك منهم، فلا تهتم بعدم إيمانهم ولو شئت لأرغمتهم على الإيمان ولخلقتهم على هيئة الملائكة، وكُلُّ ما عليك يا محمد أنْ تصفح عنهم.