مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (88)

قوله تعالى : { وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } وفيه مباحث :

الأول : قرأ الأكثرون { وقيله } بفتح اللام وقرأ عاصم وحمزة بكسر اللام ، قال الواحدي وقرأ أناس من غير السبعة بالرفع ، أما الذين قرؤوا بالنصب فذكر الأخفش والفراء فيه قولين ( أحدهما ) أنه نصب على المصدر بتقدير وقال قيله وشكا شكواه إلى ربه يعني النبي صلى الله عليه وسلم فانتصب قيله بإضمار قال ( والثاني ) أنه عطف على ما تقدم من قوله { أنا لا نسمع سرهم ونجواهم . . . وقيله } وذكر الزجاج فيه وجها ( ثالثا ) فقال إنه نصب على موضع الساعة لأن قوله { وعنده علم الساعة } معناه أنه علم الساعة ، والتقدير علم الساعة ، وقيله ، ونظيره قولك عجبت من ضرب زيد وعمرا ، وأما القراءة بالجر فقال الأخفش والفراء والزجاج إنه معطوف على الساعة ، أي عنده علم الساعة ، وعلم قيله يا رب ، قال المبرد العطف على المنصوب حسن وإن تباعد المعطوف من المعطوف عليه لأنه يجوز أن يفصل بين المنصوب وعامله والمجرور يجوز ذلك فيه على قبح ، وأما القراءة بالرفع ففيها وجهان ( الأول ) أن يكون { وقيله } مبتدأ وخبره ما بعده ( والثاني ) أن يكون معطوفا على علم الساعة على تقدير حذف المضاف معناه وعنده علم الساعة وعلم قيله ، قال صاحب «الكشاف » : هذه الوجوه ليست قوية في المعنى لاسيما وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ، ثم ذكر وجها آخر وزعم أنه أقوى مما سبق ، وهو أن يكون النصب والجر على إضمار حرف القسم وحذفه والرفع على قولهم أيمن الله وأمانة الله ويمين الله ، يكون قوله { إن هؤلاء قوم لا يؤمنون } جواب القسم كأنه قيل وأقسم بقيله يا رب أو وقيله يا رب قسمي ، وأقوله هذا الذي ذكره صاحب «الكشاف » متكلف أيضا وهاهنا إضمار امتلأ القرآن منه وهو إضمار اذكر ، والتقدير واذكر قيله يا رب ، وأما القراءة بالجر ، فالتقدير واذكر وقت قيله يا رب ، وإذا وجب التزام الإضمار فلأن يضمر شيئا جرت العادة في القرآن بالتزام إضمار أولى من غيره ، وعن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله { وقيله يا رب } المراد وقيل يا رب والهاء زيادة .

البحث الثاني : القيل مصدر كالقول ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «نهى عن قيل وقال » قال الليث تقول العرب كثر فيه القيل والقال ، وروى شمر عن أبي زيد يقال ما أحسن قيلك وقولك وقالك ومقالتك خمسة أوجه .

البحث الثالث : الضمير في قيله لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

البحث الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضجر منهم وعرف إصرارهم أخبر عنهم أنهم قوم لا يؤمنون وهو قريب مما حكى الله عن نوح أنه قال : { رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا } .