اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقِيلِهِۦ يَٰرَبِّ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ لَّا يُؤۡمِنُونَ} (88)

قوله تعالى : { وَقِيلِهِ يا رب إِنَّ هؤلاء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } قراءة حمزة وعاصم بالجر{[50155]} ، والبَاقُونَ بالنصب فأما الجر فعلى وجهين :

أحدهما : أنه عطف على «الساعة » أي عنده علم قِيلهِ ، أي قول محمد ، أو عِيسى{[50156]} والقَوْلُ والقَالُ والقِيلُ بمعنًى واحد . جاءت المصادر على هذه الأوزان .

والثاني : أن الواو للقسم ، والجواب إما محذوف ، تقديره : لتُنْصَرُنَّ أولأَفْعَلَنَّ بهم ما أريد وإما مذكور ، وهو قوله : إنَّ هَؤلاَءِ لاَ يؤْمِنُونَ . ذكره الزمخشري{[50157]} . وأما قراءة النصب ففيها ثمانية أوجه :

أحدها : أنه منصوب على محل «الساعة » كأنه قيل : إنه يعلم الساعةَ ويعلم قِيلهُ كذا{[50158]} .

الثاني : أنه معطوف على «سرهم ونَجْوَاهم » ( أي لا يعلم{[50159]} سِرَّهُمْ ) ولا يعلم{[50160]} قيله .

الثالث : عطف على مفعول «يَكْتُبُونَ » المحذوف ، أي يكتبون ذلك ، ويكتبون قِيلَهُ كذا أيضاً{[50161]} .

الرابع : أنه معطوف على مفعول يعلمون المحذوف ، أي يعلمون{[50162]} ذَلك ( ويعلمون ){[50163]} قيله{[50164]} .

الخامس : أنه مصدر أي قَالَ قِيلهُ{[50165]} .

السادس : أن ينتصب بإضمار فعل ، أي اللهُ يعلَمُ قيلَ رَسُولهِ{[50166]} . وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم .

السابع : أن ينتصب على محلّ «بالحَقِّ » ، أي شَهِندَ بالحقِّ وبِقيلِه{[50167]} .

الثامن : أن ينتصب على حذف القسم{[50168]} ، كقوله : «فَذَاكَ أَمَانَةَ الهِ والثَّرِيدُ »{[50169]} .

وقرأ الأعرج وأبو قِلابة{[50170]} ، ومجاهد والحسن ، بالرفع{[50171]} ، وفيه أوجه : الرفع ، عطفاً على «علم الساعة » ، بتقدير مضاف ، أي وعنده علم قِيلِهِ ، ثم حذف ، وأقيم هذا مُقَامه{[50172]} .

الثاني : أنه مرفوع بالابتداء ، والجملة من قوله : «يَا رَبِّ » إلى آخره{[50173]} هو الخبر .

الثالث : أنه مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره : وقيلهُ كَيْتَ وكَيْتَ مسموعٌ أو متقبلٌ{[50174]} .

الرابع : أنه مبتدأ أو صلة القسم ، كقولهم : أيمُنُ اللهِ ، ولَعَمْرُ اللهِ ، فيكون خبره محذوفاً ، والجواب كما تقدم . ذكره الزمخشري{[50175]} أيضاً . واختار القراءة بالنصب{[50176]} جماعة . قال النحاس : القراءة البينة بالنصب من جهتين :

أحدهما : أن التفرقة بين المنصوب ، وما عطف عليه مُغْتَفَرةٌ ، بخلافها بين المخفوض وما عطف عليه .

والثانية : تفسير أهل التأويل بمعنى النصب{[50177]} . كأنه يريد ما قال أبو عبيدة قال : إنما هي في التفسير أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع قيله يا رب{[50178]} .

ولم يرتض الزمخشري من الأوجه المتقدمة شيئاً . وإنما اختار أن يكون قَسَماً في القراءات الثلاث{[50179]} . وتقدم تحقيقها .

وقرأ أبو قِلاَبَةَ : يا ربِّ{[50180]} بفتح الباء ، على قلب الياء ألفاً ، ثم حذفها مجتزئاً عنها بالفتحة كقوله :

4433 . . . . . . . . . . . . . . *** بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيْتَ . . . . . . . . . . {[50181]}

والأخفش يَطْردُها{[50182]} .

قال ابن الخطيب بعد أن حكى قول الزمخشري : وأقول : الذي ذكره الزمخشري متكلفٌ أيضاً وهاهنا إضمار ، امتلأ القرآن منه ، وهو إضمار اذكر ، والتقدير في قراءة النصب : واذكر قيله يا رب ، وفي قراءة الجر : واذكر وَقْتَ قِيلِهِ يا رب ، وإذا وَجَبَ التزامُ إضمار ما جرت العادة في القرآن بالتزامه ، فالتزام إضماره أولى من غيره{[50183]} . وعن ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[50184]} أنه قال في تفسير قوله : «وَقِيلِهِ يَا رَبِّ » المراد : وقيل يا ربِّ . الهاء زائدة{[50185]} .

فصل{[50186]}

القيلُ مَصْدَرٌ ، كالقَوْلِ ، ومنه الحديث : «أنه نَهَى عن قِيلَ وقَالَ » وحكى اللَّيْثُ عن العرب تقولُ : كَثُر فيه القِيلُ والقَالُ . وروى شَمِرٌ عن أب زيد يقال : ما أحسْنَ قِيلُكَ ، وقَوْلُكَ ، ومَقَالتُكَ ، ومَقَالُكَ{[50187]} . والضمير في «وَقِيلِهِ » لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى يعلم قَوْلَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم شاكياً إلى ربه ، يا ربِّ إن هؤلاء قومٌ لا يؤمنون لما عرف إصرارهم ، وهذا قريب مما حكى الله عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال : { رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } [ نوح : 21 ]


[50155]:من متواتر القراءات انظر الكشف لمكي 2/261 والحجة في القراءات السبع لابن خالويه 323 والسبعة 589 ومعاني الفراء 3/38.
[50156]:الكشف المرجع السابق وانظر معاني الفراء 3/38 والمحتسب 2/258 والبيان 2/256 ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/421.
[50157]:الدر المصون 4/808 ولم أجد هذا بلفظه للزمخشري في الكشاف على ما سيأتي بعد، بل جعله الزمخشري على لفظ الساعة أو على تقدير حرف الجر كما سيأتي وانظر هذا الوجه وما قبله في التبيان 1143.
[50158]:التبيان المرجع السابق والبيان 2/355 ومعاني القرآن للزجاج 4/421 والبحر المحيط 8/33، والكشاف 3/498.
[50159]:سقط من ب.
[50160]:قاله في التبيان السابق، ومعاني القرآن للفراء 3/38.
[50161]:البيان 2/355 وأبو حيان في البحر 8/30.
[50162]:في ب يعلم.
[50163]:سقط من ب.
[50164]:نقله أبو حيان في بحره وقال وهو قول لا يكاد يعقل.
[50165]:التبيان 1143 والكشاف 3/498 والفراء 3/38 ونسب إلى الأخفش ولم أجده في المعاني له.
[50166]:نقله أبو حيان في البحر 8/30 ولم ينسبه إلى أحد.
[50167]:قاله في الدر المصون 4/807 وهو ضعيف للفصل بين المتعاطفين ولتقدير تكلف حرف الجر.
[50168]:وهو اختيار الزمخشري كما سيجيء الآن، وانظر المرجع السابق.
[50169]:سبق ما فيه.
[50170]:محمد بن أحمد بن أبي دارة، أبو قلاية، مقرئ معروف، روى القراءة عن الحسن بن داود وجعفر ابن حميد، وعنه منصور بن أحمد العراقي انظر غاية النهاية 2/62، 63.
[50171]:قراءة شاذة ذكرها ابن خالويه في المختصر 136 وابن جني في المحتسب 2/258 والفراء في معاني القرآن 3/30.
[50172]:البيان 2/355 و356 والمحتسب 2/258.
[50173]:ذكره في التبيان 1143.
[50174]:البيان 2/356.
[50175]:الكشاف 3/398.
[50176]:كالزجاج في معاني القرآن وإعرابه 4/421 ونقله عنه موافقا النحاس كما سيأتي الآن.
[50177]:إعراب القرآن 4/123.
[50178]:قال في المجاز 2/207 نصبه في قول أبي عمرو علي "نسمع سرهم ونجواهم وقيله ونسمع قيله".
[50179]:قال: "وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه". الكشاف 3/499.
[50180]:البحر المحيط 8/30.
[50181]:جزء من بيت الوافر، مجهول قائله وهو بتمامه: فلست بمدرك ما فات مني ............................... ويروى: ولست بالواو. والمعنى أن الحسرة والندامة لا يجدي على ما فات والشاهد: بلهف وبليت والأصل يا لهفي ويا ليتني فحذف حرف النداء ثم قلب الياء "ياء المتكلم" ألفا ثم حذف الألف اجتزاء بالفتحة عنها. وانظر الأشموني 3/155 والخصائص 3/135 والمحتسب 1/277 و323 والدر المصون 4/808.
[50182]:انظر معاني الأخفش 72/73.
[50183]:بالمعنى قليلا من الفخر الرازي 27/234.
[50184]:سقط من ب.
[50185]:المرجع السابق.
[50186]:هذا الفصل كله ساقط من نسخة ب.
[50187]:انظر اللسان قول 3779.