قوله تعالى : { وَقِيلِهِ يا رب إِنَّ هؤلاء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } قراءة حمزة وعاصم بالجر{[50155]} ، والبَاقُونَ بالنصب فأما الجر فعلى وجهين :
أحدهما : أنه عطف على «الساعة » أي عنده علم قِيلهِ ، أي قول محمد ، أو عِيسى{[50156]} والقَوْلُ والقَالُ والقِيلُ بمعنًى واحد . جاءت المصادر على هذه الأوزان .
والثاني : أن الواو للقسم ، والجواب إما محذوف ، تقديره : لتُنْصَرُنَّ أولأَفْعَلَنَّ بهم ما أريد وإما مذكور ، وهو قوله : إنَّ هَؤلاَءِ لاَ يؤْمِنُونَ . ذكره الزمخشري{[50157]} . وأما قراءة النصب ففيها ثمانية أوجه :
أحدها : أنه منصوب على محل «الساعة » كأنه قيل : إنه يعلم الساعةَ ويعلم قِيلهُ كذا{[50158]} .
الثاني : أنه معطوف على «سرهم ونَجْوَاهم » ( أي لا يعلم{[50159]} سِرَّهُمْ ) ولا يعلم{[50160]} قيله .
الثالث : عطف على مفعول «يَكْتُبُونَ » المحذوف ، أي يكتبون ذلك ، ويكتبون قِيلَهُ كذا أيضاً{[50161]} .
الرابع : أنه معطوف على مفعول يعلمون المحذوف ، أي يعلمون{[50162]} ذَلك ( ويعلمون ){[50163]} قيله{[50164]} .
الخامس : أنه مصدر أي قَالَ قِيلهُ{[50165]} .
السادس : أن ينتصب بإضمار فعل ، أي اللهُ يعلَمُ قيلَ رَسُولهِ{[50166]} . وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم .
السابع : أن ينتصب على محلّ «بالحَقِّ » ، أي شَهِندَ بالحقِّ وبِقيلِه{[50167]} .
الثامن : أن ينتصب على حذف القسم{[50168]} ، كقوله : «فَذَاكَ أَمَانَةَ الهِ والثَّرِيدُ »{[50169]} .
وقرأ الأعرج وأبو قِلابة{[50170]} ، ومجاهد والحسن ، بالرفع{[50171]} ، وفيه أوجه : الرفع ، عطفاً على «علم الساعة » ، بتقدير مضاف ، أي وعنده علم قِيلِهِ ، ثم حذف ، وأقيم هذا مُقَامه{[50172]} .
الثاني : أنه مرفوع بالابتداء ، والجملة من قوله : «يَا رَبِّ » إلى آخره{[50173]} هو الخبر .
الثالث : أنه مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره : وقيلهُ كَيْتَ وكَيْتَ مسموعٌ أو متقبلٌ{[50174]} .
الرابع : أنه مبتدأ أو صلة القسم ، كقولهم : أيمُنُ اللهِ ، ولَعَمْرُ اللهِ ، فيكون خبره محذوفاً ، والجواب كما تقدم . ذكره الزمخشري{[50175]} أيضاً . واختار القراءة بالنصب{[50176]} جماعة . قال النحاس : القراءة البينة بالنصب من جهتين :
أحدهما : أن التفرقة بين المنصوب ، وما عطف عليه مُغْتَفَرةٌ ، بخلافها بين المخفوض وما عطف عليه .
والثانية : تفسير أهل التأويل بمعنى النصب{[50177]} . كأنه يريد ما قال أبو عبيدة قال : إنما هي في التفسير أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع قيله يا رب{[50178]} .
ولم يرتض الزمخشري من الأوجه المتقدمة شيئاً . وإنما اختار أن يكون قَسَماً في القراءات الثلاث{[50179]} . وتقدم تحقيقها .
وقرأ أبو قِلاَبَةَ : يا ربِّ{[50180]} بفتح الباء ، على قلب الياء ألفاً ، ثم حذفها مجتزئاً عنها بالفتحة كقوله :
4433 . . . . . . . . . . . . . . *** بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيْتَ . . . . . . . . . . {[50181]}
والأخفش يَطْردُها{[50182]} .
قال ابن الخطيب بعد أن حكى قول الزمخشري : وأقول : الذي ذكره الزمخشري متكلفٌ أيضاً وهاهنا إضمار ، امتلأ القرآن منه ، وهو إضمار اذكر ، والتقدير في قراءة النصب : واذكر قيله يا رب ، وفي قراءة الجر : واذكر وَقْتَ قِيلِهِ يا رب ، وإذا وَجَبَ التزامُ إضمار ما جرت العادة في القرآن بالتزامه ، فالتزام إضماره أولى من غيره{[50183]} . وعن ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[50184]} أنه قال في تفسير قوله : «وَقِيلِهِ يَا رَبِّ » المراد : وقيل يا ربِّ . الهاء زائدة{[50185]} .
فصل{[50186]}
القيلُ مَصْدَرٌ ، كالقَوْلِ ، ومنه الحديث : «أنه نَهَى عن قِيلَ وقَالَ » وحكى اللَّيْثُ عن العرب تقولُ : كَثُر فيه القِيلُ والقَالُ . وروى شَمِرٌ عن أب زيد يقال : ما أحسْنَ قِيلُكَ ، وقَوْلُكَ ، ومَقَالتُكَ ، ومَقَالُكَ{[50187]} . والضمير في «وَقِيلِهِ » لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى يعلم قَوْلَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم شاكياً إلى ربه ، يا ربِّ إن هؤلاء قومٌ لا يؤمنون لما عرف إصرارهم ، وهذا قريب مما حكى الله عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال : { رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } [ نوح : 21 ]
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.