الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَأَمَّا ٱلۡإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَكۡرَمَنِ} (15)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فأما الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى "فَأكْرَمَهُ" بالمال ، وأفضل عليه ، "وَنَعّمَهُ" بما أوسع عليه من فضله "فَيَقُولُ رَبّي أكْرَمَنِ" فيفرح بذلك ، ويسرّ به ويقول : ربي أكرمني بهذه الكرامة ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

والإشكال أن يقول قائل : قول ذلك الإنسان : { ربي أكرمن } و { ربي أهانني } خرج موافقا لما قاله الرب تعالى لأنه قال : { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه } فخرج قوله : { ربي أكرمن } على الموافقة لما قال ، وكذا قول هذا الإنسان حين ابتلي بنقيضه { ربي أهانن } خرج موافقا لما قال : { وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه } . فإذا كان الأول إكراما كان الثاني يضاده إهانة . ألا ترى أن الله تعالى سمى المال خيرا والفقر شرا ، وسمى المطيع محسنا والعاصي مسيئا ، فكذا إذا استقام القول بالإكرام عندما ينعم عليه ، ويكرمه ، استقام القول بالإهانة إذا ضيق عليه الرزق ، ولم يكرمه ؟ . فإذا كان هكذا فكيف رد عليه مقالته بقوله : { كلا } وهو في ذلك صادق . ولكن نحن نقول : إن الرد بقوله : { كلا } لم يقع على نفس القول ، ولا انصرف إليه ، وإنما انصرف إلى ما أراده بقوله ؛ لأن القائل بهذا كافر بالله تعالى وباليوم الآخر ، فكأنه يقول : لا بعث ، ولا جزاء . وإنما يجازون بأعمالهم في هذه الدنيا . فمن أحسن أحسن إليه به ، ومن أساء أهين به ، فيكون قوله : { كلا } أي ليس الأمر كما صوره في نفسه ، بل الدنيا دار عمل ، وللجزاء بالكفر والإيمان دار الآخرة . وهذا كقوله : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } [ المنافقون : 1 ] وهم لم يكونوا كاذبين في شهادتهم ومقالتهم ، بل كانوا صادقين أنه رسول الله وأن الله تعالى يعلم أنه رسوله ، ولكنهم كانوا اعتقدوا تكذيبه في قلوبهم ، فكانوا يظهرون خلاف ما أضمروا في أنفسهم . وإلى ما أضمروا انصرف التكذيب لا إلى نفس القول ....{ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه } أي أكرمه في نفسه بأن أصح جسمه ، أو جعله رئيس قومه { ونعمه } أي بسط الدنيا عليه { فيقول ربي أكرمن } فكان يبطر بذلك . وقوله تعالى : { وأما إذا ما ابتلاه } أي إذا اختبره ، فضيق { عليه رزقه فيقول ربي أهانن } فكان يظهر بذلك الجزع . والله تعالى اختبره بالنعم ليستأدي بما أنعم شكره، وابتلاه بضيق العيش ليصبر ، لا ليجزع ؛ فلا شَكَر هذا النعم ، بل بَطَر ، ولا صَبَر هذا على الشدائد ، بل جزع . فجائز أن يكون قوله : { كلا } منصرفا إلى هذا ردا لاعتقادهم وصنيعهم ، وهو أنه يكرم ، ولم ينعم ليبطر به ، ولا ضيق عليه رزقه ليجزع ، بل إنما أنعم ليشكر ، وقدر عليه رزقه ليصبر ، والله أعلم . ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

( فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه ) أي: اختبره، والابتلاء: هو إظهار ما في العبد من خير أو شر من الشدة والرخاء والغنى والفقر حسب ما تقتضيه المصلحة ... وقوله ( فأكرمه ونعمه ) معناه: أعطاه الخير وأنعم عليه به ، والإكرام: إعطاء الخير للنفع به على ما تقتضيه الحكمة، إلا إنه كثر فيما يستحق بالإحسان ، ونقيض الإكرام الهوان ( فيقول ) العبد عند ذلك ( ربي أكرمني ) أي أنعم علي وأحسن إلي ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت : بم اتصل قوله { فَأَمَّا الإنسان } ؟ قلت : بقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد } كأنه قيل : إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للعاقبة ، وهو مرصد بالعقوبة للعاصي ؛ فأما الإنسان فلا يريد ذلك ولا يهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها . ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ذكر الله تعالى في هذه الآية : ما كانت قريش تقوله تستدل به على إكرام الله تعالى وإهانته لعبده ، وذلك أنهم كانوا يرون أن من عنده الغنى والثروة والأولاد فهو المكرم ، وبضده المهان ، ومن حيث كان هذا المقطع غالباً على كثيرين من الكفار ، جاء التوبيخ في هذه الآية لاسم الجنس ، إذ يقع بعض المؤمنين في شيء من هذا المنزع ، ومن ذلك حديث الأعراب الذين كانوا يقدمون المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن نال خيراً قال هذا دين حسن ، ومن ناله شر قال هذا دين سوء . ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

كيف سمي بسط الرزق وتقديره ابتلاء ؟

( الجواب ) : لأن كل واحد منهما اختبار للعبد ، فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر ، وإذا قدر عليه فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع ، فالحكمة فيهما واحدة ، ونحوه قوله تعالى : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ فأما الإنسان } أي الذي أودع الحجر ليعقل هذه الأقسام وما يراد منه من اعتقاد المقسم عليه بها وجبل على النسيان والأنس بنفسه والمحبة لها والرضى عنها....{ إذا } وأكد الأمر بالنافي فقال { ما ابتلاه } أي عامله معاملة المختبر بأن خالطه بما أراد مخالطة تميله وتحيله { ربه } أي الذي أبدعه وأحسن إليه بما يحفظ وجوده ليظهر شكره أو كفره { فأكرمه } أي بأن جعله عزيزاً بين الناس وأعطاه ما يكرمونه به من الجاه والمال { ونعمه } أي بأن جعله متلذذاً مترفاً بما أعطاه غير تعبان - بسببه { فيقول } سروراً بذلك وافتخاراً : { ربي } أي الموجد لي والمدبر لأمري { أكرمن } أي فيظن أن ذلك عن استحقاق فيرتفع به...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فهذا هو تصور الإنسان لما يبتليه الله به من أحوال ، ومن بسط وقبض ، ومن توسعة وتقدير . . يبتليه بالنعمة والإكرام بالمال أو المقام، فلا يدرك أنه الابتلاء ، تمهيدا للجزاء . إنما يحسب هذا الرزق وهذه المكانة دليلا على استحقاقه عند الله للإكرام ، وعلامة على اصطفاء الله له واختياره . فيعتبر البلاء جزاء والامتحان نتيجة ! ويقيس الكرامة عند الله بعرض هذه الحياة ! ...

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

- أكرمني : هنا بمعنى : رفع قدري وعُني بي . ...

الشعراوي – 1419هـ:

يتحدث الحق سبحانه وتعالى عن خطأ معايير الناس في استقبال أوامر الحق في الخلق، فيقول لهم: أنتم تأخذون المقاييس بالعقل، وأنا أريد أن أعدل لكم المقاييس، فإذا عدلت لكم المقاييس التي تزنون بها أموركم أمكن لحركتكم أن تسير على هدى، إنما الذي يجعل حركتكم لا تسير على هدى هو أن المقاييس نفسها التي تردون إليها وزن حركاتكم مقاييس خاطئة.

{فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربّه فأكرمه ونعّمه فيقول ربّي أكرمن(15) وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربّي أهانن(16)} فأتى بصورتين من صور الحياة، صورة الإنسان موسع عليه في رزقه، وصورة لإنسان مضيق عليه في رزقه، فالإنسان الموسع عليه يظن أن هذه السعة إكرام من الله عليه، والمضيق عليه يظن أن هذا التضييق إهانة من الله له، فنقول له: أنت في هذه المقاييس خلطت بين شيئين، خلطت بين الامتحان وبين النتيجة، فإيتاء المال امتحان، والتقتير في إيتاء المال امتحان أيضاً، والنتيجة النهائية تتأتى على تصرفك تجاه هذا الامتحان.

إذن.. فإيتاء المال نفسه ليس نتيجة النجاح، كلا، فما زال هذا امتحاناً؛ لذلك جمع الله سبحانه وتعالى بين الأمرين في الابتلاء فقال: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربُّه فأكرمه ونعّمه(15)} ثم: {وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه(16)} [الفجر]. فالصورتان الظاهرتان ليستا نتيجة نجاح، بل كلاهما امتحان.

يرد الله عز وجل على الاثنين فيقول: {كلاّ} أي: أنت خاطئ في هذه، وأنت أيضاً خاطئ في تلك، فلا الذي أنعم الله عليه دليل إكرام، ولا الذي ضيق الله عليه دليل إهانة، وأنا سأبين لكم السبب: حين يؤتي الله إنساناً مالاً، فهذا المال تكون فيه حقوق.. كيف يكتسب، وكيف يستغل وينفق، فالله تجاوز عن مرحلتين، وتكلم عن المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة المصرف.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن عقاب الطغاة ، وتحذيرهم وإنذارهم ، تأتي هذه الآيات لتبيّن مسألة الابتلاء والتمحيص وأثرها على الثواب والعقاب الإلهي ، وتعتبر مسألة الابتلاء من المسائل المهمّة في حياة الإنسان . وتشرع الآيات ب : ( فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربّه فأكرمه ونعّمه فيقول ربّي أكرمن ) . وكأنّه لا يدري بأنّ الابتلاء سنّة ربّانية تارة يأتي بصورة اليسر والرخاء واُخرى بالعسر والضراء . فلا ينبغي للإنسان أن يغتر عند الرخاء ، ولا أن ييأس عندما تصيبه عسرة الضراء ، ولا ينبغي له أن ينسى هدف وجوده في الحالتين ، وعليه أن لا يتصور بأن الدنيا إذا ما أرخت نعمها عليه فهو قد أصبح مقرّباً من اللّه ، بل لابدّ أن يفهمها جيدّاً ويؤدّي حقوقها ، وإلاّ فسيفشل في الامتحان . ومن الجدير بالملاحظة ، أنّ الآية ابتدأت بالحديث عن إكرام اللّه تعالى للإنسان «فأكرمه ونعمه » ، في حين تلومه على اعتقاده بهذا الإكرام في آخرها : ( فيقول ربّي أكرمن ) ، وذلك . . لأنّ الإكرام الأوّل هو الإكرام الطبيعي ، والإكرام الثّاني بمعنى القرب عند اللّه تعالى . ...