الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعادٍ إرَمَ" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تنظر يا محمد بعين قلبك ، فترى كيف فعل ربك بعاد ؟

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "إرَمَ" ؛

فقال بعضهم : هي اسم بلدة ، ثم اختلف الذين قالوا ذلك في البلدة التي عُنِيت بذلك ؛ فقال بعضهم : عُنيت به الإسكندرية ...

وقال آخرون : هي دِمَشق ...

وقال آخرون : عُني بقوله : إرَمَ : أمة ...

وقال آخرون : معنى ذلك : القديمة ...

وقال آخرون : تلك قبيلة من عاد ... وقال آخرون إرَمَ : الهالك ...

والصواب من القول في ذلكَ : أن يُقال : إن إرم إما بلدة كانت عاد تسكنها ، فلذلك ردّت على عاد للإتباع لها ، ولم يُجر من أجل ذلك ، وإما اسم قبيلة فلم يُجر أيضا ، كما لا يُجْرى أسماء القبائل ، كتميم وبكر ، وما أشبه ذلك إذا أرادوا به القبيلة . وأما اسم عاد فلم يجر ، إذ كان اسما أعجميا .

فأما ما ذُكر عن مجاهد ، أنه قال : عُنِي بذلك القديمة ، فقول لا معنى له ، لأن ذلك لو كان معناه لكان مخفوضا بالتنوين ، وفي ترك الإجراء الدليل على أنه ليس بنعت ولا صفة .

وأشبه الأقوال فيه بالصواب عندي : أنها اسم قبيلة من عاد ، ولذلك جاءت القراءة بترك إضافة عاد إليها ، وترك إجرائها ، كما يقال : ألم تر ما فعل ربك بتميم نهشل ؟ فيترك إجراء نهشل ، وهي قبيلة ، فترك إجراؤها لذلك ، وهي في موضع خفض بالردّ على تميم ، ولو كانت إرم اسم بلدة أو اسم جدّ لعاد لجاءت القراءة بإضافة عاد إليها ، كما يقال : هذا عمرُو زبيدٍ، وحاتمُ طيئ، وأعشى هَمْدانَ ، ولكنها اسم قبيلة منها ، فيما أرى ، كما قال قتادة ، والله أعلم ، فلذلك أجمعت القرّاء فيها على ترك الإضافة ، وترك الإجراء .

وقوله : "ذاتِ الْعِمادِ" اختلف أهل التأويل في معنى قوله : "ذَاتِ الْعِمادِ" في هذا الموضع؛

فقال بعضهم : معناه : ذات الطول ، وذهبوا في ذلك إلى قول العرب للرجل الطويل : رجل مُعَمّد ، وقالوا : كانوا طوال الأجسام ...

وقال بعضهم : بل قيل لهم "ذَاتِ الْعِمادِ" لأنهم كانوا أهل عَمَد ، ينتجِعون الغيوث ، وينتقلون إلى الكلأ حيث كان ، ثم يرجعون إلى منازلهم ...

وقال آخرون : بل قيل ذلك لهم لبناء بناه بعضهم ، فشيّد عَمَده ، ورفع بناءه ... قال ابن زيد ، في قوله : "إرَمَ ذَاتِ الْعِمادِ" قال : عاد قوم هود ، بنَوها وعملوها حين كانوا في الأحقاف ، قال : "لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها" مثل تلك الأعمال في البلاد . قال : وكذلك في الأحقاف في حضرموت ، ثم كانت عاد قال : وثَمّ أحقاف الرمل كما قال الله بالأحقاف من الرمل ، رمال أمثال الجبال ، تكون مظلة مجوّفة .

وقال آخرون : قيل ذلك لهم لشّدة أبدانهم وقواهم ...

وأشبه الأقوال في ذلك بما دلّ عليه ظاهر التنزيل : قول من قال : عُنِي بذلك أنهم كانوا أهل عمود سيارة ، لأن المعروف في كلام العرب من العماد ، ما عُمد به الخيام من الخشب والسواري التي يحمل عليها البناء ، ولا يعلم بناء كان لهم بالعماد بخبر صحيح ، بل وجّه أهل التأويل قوله : "ذَاتِ الْعِمادِ" إلى أنه عُنِي به طول أجسامهم ، وبعضهم إلى أنه عُني به عماد خِيامهم ، فأما عِماد البنيان ، فلا يعلم كثير أحد من أهل التأويل وجهه إليه ، وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب الأشهر من معانيه ، ما وُجد إلى ذلك سبيل ، دون الأنكر .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

في ذكر نبأ عاد وثمود فوائد ثلاث :

أحدها : في موضع التخويف لأهل الذين كذبوا رسوله صلى الله عليه وسلم وهو أن أولئك القوم كانوا أكثر أموالا وأولادا وأعدادا وأكثر في القوة من هؤلاء الذين كذبوا محمدا ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، فلم يغنهم ذلك كله من الله تعالى شيئا ، بل الله تعالى انتقم منهم لرسله عليهم السلام بما كذبوهم . فما بال هؤلاء الذين كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم لا يخافون مقته وحلول النقمة بتكذيبهم رسوله ؟ وليسوا بأكثر من أولئك في العدد والمال والقوة .

الثانية : أن أولئك كانوا يزعمون أنهم بالله تعالى أولى من أمة محمد عليه السلام وأتباعه لما بسط لهم من النعيم ، وضيق على رسول وأتباعه ، فتبين أن الذين تقدمهم من مكذبي الرسل كانوا أرفع منهم في القوى والأموال والأولاد والأعداد ، وكانت رسلهم في ضيق من العيش ، ثم كانوا هم أولى بالله تعالى من المكذبين المفتخرين بكثرة الأعداد والقوى ، فبين لهم هذا ليعلموا أن ليس الأمر على ما ظنوا ، وحسبوا .

والثالثة : أنهم كانوا يمتنعون عن الإيمان بالله تعالى وبرسله ، وكانوا يقولون : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } [ الزخرف : 23 ] فيكون في ذكر هذا نفي التقليد لأولئك لأنه كان في آبائهم من أهلك بتكذيبهم الرسل ، وهم الفراعنة وأتباعهم ، وفيهم من نجا ، وهم الرسل وأتباعهم المصدقون لهم ، فما بالهم قلدوا المهلكين منهم دون الذين نجوا ؟ ثم الآية لم تسق ليعرف نسب عاد وثمود وفرعون حتى يشتغل بتعرفه ، وإنما سيقت للأوجه التي ذكرنا ؛ فالاشتغال بتعرف أنسابهم وأحوالهم نوع من التكلف .

وقوله تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } فقوله : { ألم تر } يحتمل وجهين : أحدهما : أي قد رأيت كما يقال في الشاهد : ألم تر إلى ما فعل فلان ، أي قد رأيت ، وعلمت ، فيخبره بصنيعه على جهة التشكي منه .

الثاني : أنه يكون هذا ابتداء إعلام منه ، فيقول له : اعلم أن ربك فعل بعاد كذا . ...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{ ذَاتِ الْعِمَادِ } لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشَّعر التي ترفع بالأعمدة الشداد ، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشا ، ولهذا ذكَّرهم هود بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم ، فقال : { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ [ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ] } [ الأعراف : 69 ] . وقال تعالى : { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [ فصلت : 15 ]...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ويجوز أن يكون المراد ب { العماد } الأعلام التي بنوْها في طرُقهم ليهتدي بها المسافرون المذكورةَ في قوله تعالى : { أتبنون بكل ريع آية تعبثون } [ الشعراء : 128 ] . ووُصفت عاد ب { ذات العماد } لقوتها وشدتها ، أي قد أهلك الله قوماً هم أشد من القوم الذين كذبوك قال تعالى : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم } [ محمد : 13 ] وقال : { أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة } [ غافر : 21 ] . ...

....