اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَمَّا ٱلۡإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَكۡرَمَنِ} (15)

قوله : { فَأَمَّا الإنسان } : مبتدأ ، وفي خبرها وجهان :

أصحهما : أنه الجملة من قوله : «فيقول » ، كقوله تعالى : { فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ } [ البقرة : 26 ] كما تقدم ، والظرف حينئذٍ منصوب بالخبر ؛ لأنه في نية التأخير ، ولا يمنع الفاء من ذلك . قاله الزمخشري{[60141]} .

الثاني : «إذَا » : شرطية ، وجوابها : «فيقول » ، وقوله : «فأكْرمهُ » : معطوف على «ابتلاه » ، والجملة الشرطية خبر : «الإنسان » . قاله أبو البقاء{[60142]} .

وفيه نظر ؛ لأن «أما » تلزم الفاء في الجملة الواقعة خبراً عما بعدها ، ولا تحذف إلا مع قول مضمر ، كقوله : { فَأَمَّا الذين اسودت } [ آل عمران : 106 ] كما تقدم ، إلا في ضرورة .

قال الزمخشريُّ{[60143]} : «فإن قلت : بم اتَّصل قوله تعالى : { فَأَمَّا الإنسان } ؟ .

قلت : بقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد } ، فكأنه قيل : إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطَّاعة ، فأما الإنسان ، فلا يريد ذلك ، ولا يهمه إلا العاجلة » انتهى .

يعني : بالتعليق من حيث المعنى ، وكيف عطفت هذه الجملة التفصيلية على ما قبلها مترتبة عليه ، قوله «لا يريد إلا الطَّاعة » على مذهبه ، ومذهبُ أهل السنة : أن الله يريد الطاعة وغيرها ، ولولا ذلك لم يقع ثم من لا يدخل في ملكه ما لا يريد ، وإصلاح العبارة أن نقول : إن الله يريد من العبد والإنسان من غير حصر .

ثم قال : فإن قلت : كيف توازن قوله تعالى : { فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ } ، وقوله : { وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه } ، وحق التوازن أن يتقابل الواقعان بعد «أما » و«أما » تقول : أما الإنسان فكفور ، وأما الملك فشكور ، أمَّا الإنسان أحسنت إلى زيد ، فهو محسن إليك ، وأمَّا إذا أسأت إليه ، فهو مسيء إليك .

قلت : هما متوازنان من حيث إنَّ التقدير : وأما هو إذا ما ابتلاه ، وذلك أن قوله «فيقُولُ : ربِّي أكرمنِ » : خبر المبتدأ ، الذي هو «الإنسان » ، ودخول الفاء لما في «أما » من معنى الشرط ، والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر في نية{[60144]} التأخير ، كأنه قيل : فأما الإنسان فقائل : ربي أكرمني وقت الابتلاء ، فوجب أن يكون «فيقول » الثاني : خبراً لمبتدأ واجب تقديره .

فصل في المراد بالإنسان

قال ابن عبَّاسٍ : المراد بالإنسان : عتبةُ بنُ ربيعة ، وأبو حذيفة بنُ المغيرةَ{[60145]} .

وقيل : أمية بن خلف .

وقيل : أبي بن خلف .

{ إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ } أي : امتحنه ، واختبره بالنعمة ، و«ما » زائدة صلة ، «فأكْرمهُ » بالمال ، و«نَعَّمَهُ » بما أوسع عليه ، «فَيقُولُ : ربِّي أكرمنِ » ، فيفرح بذلك ، ولا يحمده .

/خ16


[60141]:ينظر: الكشاف 4/749.
[60142]:ينظر: الإملاء 2/286.
[60143]:الكشاف 4/749.
[60144]:في ب: تقدير.
[60145]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (20/35) عن ابن عباس.