المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ} (6)

6- فأعرض - يا محمد - عن هؤلاء الكفار ، وانتظر يوم يدعو داعي الله إلى أمر شديد تنكره النفوس .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ} (6)

ثم سلى نبيه بقوله : { فتول عنهم } أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات ، وتم القول في قوله : { عنهم } ثم ابتدأ وعيدهم ، والعامل في { يوم } قوله : { يخرجون } .

و : { خشعاً } حال من الضمير في { يخرجون } وتصرف الفعل يقتضي تقدم الحال ، قال المهدوي : ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في { عنهم } . قال الرماني المعنى : { فتول عنهم } واذكر { يوم } . وقال الحسن المعنى : { فتول عنهم } إلى { يوم } ، وانحذفت الواو من { يدع } لأن كتبة المصحف اتبعوا اللفظ لا ما يقتضيه الهجاء ، وأما حذف الياء من : { الداع } ونحوه ، فقال سيبويه : حذفوه تخفيفاً . وقال أبو علي : حذفت مع الألف واللام إذ هي تحذف مع معاقبهما وهو التنوين .

وقرأ جمهور الناس : «نكُر » بضم الكاف . وقرأ ابن كثير وشبل والحسن : «نكِر » بكسر الكاف ، وقرأ مجاهد والجحدري وأبو قلابة : «نُكِرَ » بكسر الكاف وفتح الراء على أنه فعل مبني للمفعول ، والمعنى في ذلك كله أنه منكور غير معروف ولا مرئي مثله . قال الخليل : النكر : نعت للأمر الشديد والرجل الداهية . وقال مالك بن عوف النصري : [ الرجز ]

أقدم محاج إنه يوم نكر . . . مثلي على مثلك يحمى ويكر{[10757]}

ونكر فعل وهو صفة ، وذلك قليل في الصفات ، ومنه مشية سجح وقال الشاعر [ حسان بن ثابت الأنصاري ] : [ البسيط ]

دعوا التخاجؤ وامشوا مشية سجحاً . . . إن الرجال ذوو عصب وتذكير{[10758]}

ومنه رجل شلل{[10759]} وناقة أجد{[10760]} .


[10757]:يريد الشاعر أن هذا اليوم يوم منكور غير معروف لأن أحدا لم ير مثله لما فيه من شدة، يقال: أنكرته فهو منكر، ونكرته فهو منكور، وقد جمع الأعشى بين اللغتين حين قال:(وأنكرتني وما كان الذي نكِرت...)، ومعنى: يحمي: يدافع ويحفظ الشيء ويمنعه، ويكر: يحمل على العدو ويعيد الحمل عليه مرة بعد أخرى. يطالبه بالإقدام في هذا اليوم الشديد العصيب الذي لم ير أحد مثله فإن اجتماعهما معا يقوي عزمهما، ويساعدهما على حماية قومهما والكر على العدو وهزيمته.
[10758]:هذا البيت أحد أبيات سبعة قالها حسان بن ثابت في هجاء بني الحارث بن كعب رهط النجاشي الشاعر، والتخاجؤ: التباطؤ في المشي، وقد روي هكذا في خزانة الأدب، وفي الديوان، ولكن جاء في معجم مقاييس اللغة:"ذروا التخاجئ"، والصحيح هو التخاجؤ؛ لأن التفاعل في مصدر "تفاعل" حقه أن يكون مضموم العين، ولا تأتي مكسورة إلا في المعتل اللام، والمِشية السُّجُح-بضم السين والجيم- هي المشية السهلة، وقال الأزهري: هي أن يعتدل الإنسان في مشيه ولا يتمايل فيه تكبرا، وقد ذكر صاحب اللسان هذا البيت شاهدا على ذلك، وورد في حديث علي رضي الله عنه يُحرض أصحابه على القتال:"وامشوا إلى الموت مِشية سُجُحا"، وألو عصب: أصحاب شدة خلق، يقال: رجل معصوب الخلق، والرجل الذكر: القوي الشديد الأبي.
[10759]:يقال رجل مشل وشلول وشلل وشلشل، والمعنى فيها كلها أنه خفيف سريع، وجمع شلل: شللون.
[10760]:ناقة أجد: متصلة الفقار، تراها كأنها عظم واحد، والمراد أنها قوية موثقة الحلق، والمادة تعطي معنى القوة والإحكام، يقال: بناء مؤجد بمعنى: مقوى محكم. وكل هذه الأمثلة على وزن "فعل"، وهذا الوزن قليل في الصفات كما قال ابن عطية. هذا البيت للحارث بن دوس الإيادي، ويروى لأبي داود الإيادي، وهو في البحر المحيط، وابن جرير الطبري، والقرطبي، وكلهم أخذه عن الفراء الذي استشهد به في (معاني القرآن)، قال: "إذا تقدم الفعل قبل اسم مؤنث، وهو له، أو قبل جمع مثل الأنصار والأعمار وما أشبهها جاز تأنيث الفعل وتذكيره وجمعه، وقد أتى بذلك في هذا الحرف، فقرأه ابن عباس رضي الله عنهما: [خاشعا]".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ} (6)

{ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } .

تفريع على { فما تغن النذر } [ القمر : 5 ] ، أي أعرِضْ عن مجادلتهم فإنهم لا تفيدهم النذر كقوله : { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا } [ النجم : 29 ] ، أي أنك قد بلّغت فما أنت بمسؤول عن استجابتهم كما قال تعالى : { فتول عنهم فما أنت بملوم } [ الذاريات : 54 ] . وهذا تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وتطمين له بأنه ما قَصر في أداء الرسالة . ولا تعلّق لهذه الآية بأحكام قتالهم إذ لم يكن السياق له ولا حدثت دواعيه يومئذٍ فلا وجه للقول بأنها منسوخة .

{ يَوْمَ يَدْعُو الداع إلى شَىْءٍ نُّكُرٍ } .

استئناف بياني لأن الأمر بالتولّي مؤذن بغضب ووعيد فمن شأنه أن يثير في نفس السامع تساؤلاً عن مجمل هذا الوعيد . وهذا الاستئناف وقع معترضاً بين جملة { ولقد جاءهم من الأنباء } [ القمر : 4 ] وجملة { كذبت قبلهم قوم نوح } [ القمر : 9 ] .

وإذ قد كان المتوعد به شيئاً يحصل يوم القيامة قدم الظرف على عامله وهو { يقول الكافرون هذا يوم عسر } ليحصل بتقديمه إجمال يفصّله بعض التفصيل ما يُذكر بعده ، فإذا سمع السامع هذا الظرف علم أنه ظرف لأهوال تذكر بعده هي تفصيل ما أجمله قوله : { فتول عنهم } من الوعيد بحيث لا يحسن وقع شيء مما في هذه الجملة هذا الموقع غير هذا الظرف ، ولولا تقديمه لجاء الكلام غير موثوق العرى ، وانظر كيف جمع فيما بعد قوله : { يوم يدع الداع } كثيراً من الأهوال آخذٌ بعضها بحجز بعض بحسن اتصال ينقل كل منها ذهن السامع إلى الذي بعده من غير شعور بأنه يُعدّد له أشياءَ .

وقد عُدّ سبعة من مظاهر الأهوال :

أولها : دعاء الداعي فإنه مؤذن بأنهم محضرون إلى الحساب ، لأن مفعول { يدع } محذوف بتقدير : يدعوهم الداعي لدلالة ضمير { عنهم } على تقدير المحذوف .

الثاني : أنه يدعو إلى شيء عظيم لأن ما في لفظ { شيء } من الإِبهام يُشعر بأنه مهول ، وما في تنكيره من التعظيم يجسم ذلك الهول .

وثالثها : وصف شيء بأنه { نكر } ، أي موصوف بأنه تنكره النفوس وتكرهه .

والنكُر بضمتين : صفة ، وهذا الوزن قليل في الصفات ، ومنه قولهم : روضة أُنُف ، أي جديدة لم ترعها الماشية ، ورجل شُلُل ، أي خفيف سريع في الحاجات ، ورجل سُجُح بجيم قبل الحاء ، أي سمح ، وناقة أُجُد : قوية موثقة فَقار الظهر ، ويجوز إسكان عين الكلمة فيها للتخفيف وبه قرأ ابن كثير هنا .