الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ} (6)

قوله : { يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ } : منصوبٌ : إمَّا ب " اذْكُرْ " مضمرةً وهو أقربُها ، وإليه ذهب الرُّمَّاني والزمخشري ، وإمَّا ب " يَخْرُجون " بعده وإليه ذهب الزمخشريُّ أيضاً ، وإمَّا بقولِه " فما تُغْني " ، ويكون قولُه " فَتَوَلَّ عنهم " اعتراضاً ، وإمَّا منصوباً بقولِه { يَقُولُ الْكَافِرُونَ } [ القمر : 8 ] وفيه بُعْدٌ لبُعْدِه منه ، وإمَّا بقولِه " فَتَوَلَّ " وهو ضعيفٌ جداً ؛ لأنَّ المعنى ليس أَمْرَه/ بالتوليةِ عنهم في يومِ النفخ في الصُّورِ ، وإمَّا بحذفِ الخافض ، أي فَتَوَلَّ عنهم إلى يوم ؛ قاله الحسن . وضُعِّف من حيث اللفظُ ، ومن حيث المعنى . أمَّا اللفظُ : فلأنَّ إسقاطَ الخافضِ غيرُ مُنْقاسٍ . وأمَّا المعنى : فليس تَوَلِّيه عنهم مُغَيَّا بذلك الزمان ، وإمَّا ب انتظرْ مضمراً . فهذه سبعةُ أوجهٍ في ناصب " يومَ " . وحُذِفَتْ الواوُ مِنْ " يَدْعُ " خَطَّاً اتِّباعاً للِّفْظِ ، كما تقدَّم في { يُغْنِ } { وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ } [ الشورى : 24 ] وشبهِه ، والياءُ من " الداعِ " ، مبالغةً في التخفيف إجراءً لأل مُجْرى ما عاقبها وهو التنوينُ فكما تُحْذَفُ الياءُ مع التنوينِ كذلك مع ما عاقَبها .

قوله : { نُّكُرٍ } العامَّةُ على ضمِّ الكاف وهو صفةٌ على فُعُل ، وفُعُل في الصفات عزيزٌ ، منه : أمرٌ نُكُرٌ ، ورجلٌ شُلُل ، وناقةٌ أُجُد ، وروضةٌ أُنُفٌ ، ومِشْيَةٌ سُجُحٌ . وابن كثير بسكونِ الكافِ فيُحتمل أَنْ يكونَ أصلاً ، وأَنْ يكونَ مخفَّفاً مِنْ قراءةِ الجماعةِ . وقد تقدَّم لك هذا محرَّراً في اليُسْر والعُسْر في المائدة . وسُمِّي الشيءُ الشديدُ نُكُراً لأن النفوس تُنْكِره قال مالك بن عوف :اقْدُمْ مَحاجِ إنه يومٌ نُكُرْ *** مِثْلي على مِثْلِك يَحْمي ويَكُرّْ

وقرأ زيدُ بنُ علي والجحدري وأبو قلابة " نُكِرَ " فعلاً ماضياً مبنياً للمفعولِ ؛ لأنَّ " نَكِرَ " يتعدى قال : { نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ } [ هود : 70 ] .