البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ} (6)

ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : { فتول عنهم } أي أعرض عنهم ، فإن الإنذار لا يجدي فيهم .

ثم ذكر شيئاً من أحوال الآخرة وما يؤولون إليه ، إذ ذاك متعلق باقتراب الساعة ، فقال : { يوم يدعو الداعي } ، والناصب ليوم اذكر مضمرة ، قاله الرماني ، أو يخرجون .

وقال الحسن : المعنى : فتول عنهم إلى يوم ، وهذا ضعيف من جهة اللفظ ومن جهة المعنى .

أما من جهة اللفظ فحذف إلى ، وأما من جهة المعنى فإن توليه عنهم ليس مغياً بيوم يدع الداع .

وجوزوا أن يكون منصوباً بقوله : { فما تغني النذر } ، ويكون { فتول عنهم } اعتراضاً ، وأن يكون منصوباً بقوله : { يقول الكافرون } ، ومنصوباً على إضمار انتظر ، ومنصوباً بقوله : { فتول } ، وهذا ضعيف جداً ، ومنصوباً بمستقر ، وهو بعيد أيضاً .

وحذفت الواو من يدع في الرسم اتباعاً للنطق ، والياء من الداع تخفيفاً أجريت أل مجرى ما عاقبها ، وهو التنوين .

فكما تحذف معه حذفت معها ، والداع هو إسرافيل ، أو جبرائيل ، أو ملك غيرهما موكل بذلك ، أقوال .

وقرأ الجمهور : { نكر } بضم الكاف ، وهو صفة على فعل ، وهو قليل في الصفات ، ومنه رجل شلل : أي خفيف في الحاجة ، وناقة أجد ، ومشية سجح ، وروضة أنف .

وقرأ الحسن وابن كثير : وشبل بإسكان الكاف ، كما قالوا : شغل وشغل ، وعسر وعسر .

وقرأ مجاهد وأبو قلابة والجحدري وزيد بن علي : نكر فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول ، أي جهل فنكر .

وقال الخليل : النكر نعت للأمر الشديد ، والوجل الداهية ، أي تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله ، وهو يوم القيامة .

قال مالك بن عوف النضري :

أقدم محاج أنه يوم نكر *** مثلي على مثلك يحمي ويكر