المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

37- ولا تمش في الأرض متكبراً مختالاً ، فإنك مهما فعلت فلن تخرق الأرض بشدة وطأتك ، ولن تبلغ مهما تطاولت أن تحاذى بطولك قمم الجبال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

قرأ الجمهور «مرَحاً » بفتح الراء مصدر من مرَح يمرَح إذا تسبب مسروراً بدنياه مقبلاً على راحته ، فهذا هو المرح ، فنهي الإنسان في هذه الآية أن يكون مشيه في الأرض على هذا الوجه ، ثم قيل له إنك لن تقطع الأرض وتمسحها بمشيك ، ولن تبلغ أطوال الجبال فتنالها طولاً ، فإذا كنت لا تستوي في الأرض بمشيك فَقَصْرُكَ نفسك على ما يوجبه الحق من المشي والتصرف أولى وأحق ، وخوطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية والمراد الناس كلهم .

قال القاضي أبو محمد : وإقبال الناس على الصيد ونحوه تنزهاً دون حاجة إلى ذلك داخل في هذه الآية ، وأما الرجل يستريح في اليوم النادر أو الساعة من يومه يجم بها نفسه في التفرج والراحة ليستعين بذلك على شغل من البر كقراءة علم أو صلاة ، فليس ذلك بداخل في هذه الآية ، وقرأت فرقة فيما حكى يعقوب «مرِحاً » بكسر الراء على بناء اسم الفاعل ، وهذا المعنى يترتب على هذه القراءة ، ولكن يحسن معها معنى آخر ذكره الطبري مع القراءة الأولى وهو بهذه القراءة أليق ، وهو أن قوله { لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً } أراد به أنك أيها المرح المختال الفخور لا تخرق الأرض ولا تطاول الجبال بفخرك وكبرك ، وذهب بالألفاظ إلى هذا المعنى ، ويحسن ذلك مع القراءة بكسر الراء من المرح ، لأن الإنسان نهي حينئذ عن التخلق بالمرح في كل أوقاته ، إذ المشي في الأرض لا يفارقه ، فلم ينه إلا عن يكون مرحاً ، وعلى القراءة الأخرى إنما نهي من ليس بمرح عن أن يمشي في بعض أوقاته مرحاً فيترتب في «المرِح » بكسر الراء أن يؤخذ بمعنى المتكبر المختال ، وخرق الأرض قطعها ، والخرق الواسع من الأرض ومنه قول الشاعر : [ المتقارب ]

وخرق تجاوزت مجهوله . . . بوجناء خرق تشكى الكلالا{[7575]}

ويقال لثقب الأرض ، وليس هذا المعنى في الآية ، ومنه قول رؤبة بن العجاج :

وقاتم الأعماق خاوي المخترق{[7576]} . . . وقرأ الجراح الأعرابي «تخرُق » بضم الراء ، وقال أبو حاتم : لا تعرف هذه اللغة .


[7575]:الخرق: الأرض البعيدة، مستوية كانت أو غير مستوية، وقيل: هي الفلاة الواسعة، سميت بذلك لانخراق الريح فيها، وأراد هنا المكان من الأرض الذي تنطبق عليه هذه الصفات. وتجاوزه: قطعه ومر منه سالما، وناقة وجناء: تامة الخلق، غليظة لحم الوجنة صلبة شديدة، أو هي: العظيمة الوجنتين. والناقة الخرقاء: التي يقع منسمها بالأرض قبل خفها، أو لا تتعهد مواضع قوائمها. والكلال: التعب، يقول: إنه قطع هذا المكان الواسع من الأرض بهذه الناقة الوجناء التي تضرب في الأرض بسرعة وتشتكي التعب والكلال.
[7576]:هذا مطلع قصيدة قالها رؤبة في وصف المفازة، وفيها يقول: وقاتم الأعماق خاوي المخترق مشتبه الأعلام لماع الخنق. وهي قصيدة طويلة محبوكة، وقد أكثر اللغويون من الاستشهاد بأبياتها. وقاتم الأعماق: واد مظلم الجوانب لما فيه من غبار كثيف ثائر يكاد يحجب الرؤية. والخاوي: الخالي، والمخترق: الممر والمقطع. وهذا هو موضع الشاهد، وقد استشهد به أبو عبيدة في (مجاز القرآن) على ذلك، قال بعد أن روى البيت: "أي: المقطع". والأعلام: العلامات التي يهتدي بها المسافرون في الصحراء الواسعة، يقول: إنها متشابهة لا تساعد على معرفة الطريق.