المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِذۡ رَءَا نَارٗا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدٗى} (10)

10- حين أبصر ناراً في مسيره ليلا من مدين إلي مصر ، فقال عند ذلك لزوجه ومن معها : انتظروا في مكانكم ، إني أبصرت ناراً ، أرجو أن أحمل لكم منها جمرة تدفئكم ، أو أجد حول النار من يهديني إلي الطريق .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِذۡ رَءَا نَارٗا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدٗى} (10)

قوله تعالى : { إذ رأى ناراً } ، وذلك أن موسى استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر ، لزيارة والدته وأخته ، فأذن له ، فخرج بأهله وماله ، وكان أيام الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة من ملوك الشام وامرأته في سقمها لا تدري أليلاً أم نهاراً فسار في البرية غير عارف بطرقها ، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطلق ، فقدح زنده ، فلم يور . وقيل : إن موسى كان رجلاً غيوراً ، وكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار ، لئلا ترى امرأته ، فأخطأ مرةً الطريق في ليلة مظلمة شاتية لما أراد الله عز وجل من كرامته ، فجعل يقدح الزند ، فلا يوري ، فأبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور ، { فقال لأهله امكثوا } أقيموا . قرأ حمزة : بضم الهاء هاهنا وفي القصص { إني آنست } أي : أبصرت { ناراً ، لعلي آتيكم منها بقبس } قطعة من نار ، والقبس : قطعة من نار تأخذها في طرف عمود من معظم النار { أو أجد على النار هدىً } أي : أجد عند النار من يدلني على الطريق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِذۡ رَءَا نَارٗا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدٗى} (10)

{ إذ رأى نارا } ظرف ل { حديث } لأنه حدث أو مفعول لا ذكر . قيل إنه استأذن شعيبا عليهما الصلاة والسلام في الخروج إلى أمه ، وخرج بأهله فلما وافى وادي طوى وفيه الطور ولد له ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة ، وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته إذ رأى من جانب الطور نارا . { فقال لأهله امكثوا } أقيموا مكانكم . وقرأ حمزة " لأهله امكثوا ها هنا " وفي " القصص " بضم الهاء في الوصل والباقون بكسرها . { إني آنست نارا } أبصرتها إبصارا لا شبهة فيه ، وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به . { لعلي آتيكم منها بقبس } بشعلة من النار وقيل جمرة . { أو أجد على النار هدى } هاديا يدلني على الطريق أو يهديني أبواب الدين ، فإن أفكار الأبرار مائلة إليها في كل ما يعن لهم . ولما كان حصولهما مترقبا بني الأمر فيهما على الرجاء بخلاف الإيناس ، فإنه كان محققا ولذلك حققه لهم ليوطنوا أنفسهم عليه ، ومعنى الاستعلاء في { على النار } أن أهلها مشرفون عليها أو مستعلون المكان القريب منها كما قال سيبويه في : مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب منه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذۡ رَءَا نَارٗا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدٗى} (10)

إذْ } ظرف للحديث . وقد تقدّم نظائره ، وخص هذا الظرف بالذكر لأنه يزيد تشويقاً إلى استعلام كنه الخبر ، لأن رؤية النار تحتمل أحوالاً كثيرة .

ورؤية النار تدلّ على أن ذلك كان بليل ، وأنه كان بحاجة إلى النار ؛ ولذلك فرع عليه : { فَقَالَ لأَهْله امْكُثُوا } . . . الخ .

والأهل : الزوج والأولاد . وكانوا معه بقرينة الجمع في قوله { امكثوا . وفي سفر الخروج من التّوراة فأخذ موسى امرأته وبنيه وأركبهم على الحمير ورجع إلى أرض مصر .

وقرأ الجمهور بكسر هاء ضمير أهلِه على الأصل . وقرأه حمزة وخلف : بضم الهاء ، تبعاً لضمة همزة الوصل في امكثوا .

والإيناس : الإبصار البيّن الذي لا شبهة فيه .

وتأكيد الخبر بإن لقصد الاهتمام به بشارة لأهله إذ كانوا في الظلمة .

والقبَس : ما يؤخذ اشتعاله من اشتعال شيء ويقبس ، كالجَمرة من مجموع الجمر والفتيلة ونحو ذلك . وهذا يقتضي أنه كان في ظلمة ولم يجد ما يقتدح به . وقيل : اقتدح زَنده فَصَلَد ، أي لم يقدح .

ومعنى { أو أجدُ على النار هدى } : أو ألقَى عارفاً بالطريق قاصداً السير فيما أسير فيه فيهديني إلى السبيل . قيل : كان موسى قد خفي عليه الطريق من شدّة الظلمة وكان يحب أن يسير ليلاً .

و { أوْ } هنا للتخيير ، لأنّ إتيانه بقبس أمر محقق ، فهو إما أن يأخذ القبس لا غير ، وإما أن يزيد فيجد صاحب النار قاصداً الطريق مثله فيصحبه .

وحرف { على } في قوله : { أو أجِدُ على النَّارِ هُدىً } مستعمل في الاستعلاء المجازي ، أي شدّة القرب من النار قرباً أشبه الاستعلاء ، وذلك أنّ مُشعِل النار يستدني منها للاستنارة بضوئها أو للاصطلاء بها . قال الأعشى :

وباتَ على النار النّدى والمحلّقُ *** وأراد بالهدى صاحب الهدى .

وقد أجرى الله على لسان موسى معنى هذه الكلمة إلهاماً إياه أنه سيجد عند تلك النار هُدى عظيماً ، ويبلّغ قومه منه ما فيه نفعهم .

وإظهار النّار لموسى رمْز رباني لطيف ؛ إذ جعل اجتلابه لتلقي الوحي باستدعاء بنور في ظلمة رمزاً على أنه سيتلقى ما به إنارة ناس بدين صحيح بعد ظلمة الضلال وسوء الاعتقاد .