غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِذۡ رَءَا نَارٗا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدٗى} (10)

1

" وإذ " ظرف للحديث لأنه حدث ، أو المراد اذكر وقت كذا ومظروفه محذوف أي حين رأى ناراً كان كيت وكيت . قال أهل السير : استأذن موسى شعيباً عليهما السلام في الخروج إلى أمه ، وخرج بأهله وولد له في الطريق ابن في ليلة شاتية مثلجة وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وقدح فصلد زنده ، فرأى ناراً من يسار الطريق من بعيد . قال السدي : ظن أنها من نيران الرعاة . وقال الآخرون : إنه رآها في شجرة . واختلفوا أيضاً في أن الذي رآه كان ناراً أم لا . قالوا : والصحيح أنه كان ناراً ليكون صادقاً في خبره إذ الكذب لا يجوز على الأنبياء . ويمكن أن يقال : إطلاق اللفظ على ما يشبه مسماه ليس بكذب . قيل : النار أربعة أقسام : نار تأكل ولا تشرب وهي نار الدنيا ، ونار تشرب ولا تأكل وهو نار الشجر { جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً } [ يس : 80 ] ونار تأكل وتشرب وهي نار موسى عليه السلام . وبعبارة أخرى نور بلا حرقة وهي نار موسى ، وحرقة بلا نور وهي نار جهنم ، وحرقة ونور وهي نار الدنيا ، ولا حرقة ولا نور وهي نار الأشجار . { فقال لأهله امكثوا } إنما جمع لأن أهله جمع وهم المرأة والخادم والولد . ويجوز أن يخاطب المرأة وحدها ولكن أخرج الخطاب على ظاهر لفظ الأهل فإنه اسم جمع . وأيضاً فقد يخاطب الواحد بلفظ الجماعة تفخيماً أي أقيموا في مكانكم فقد { آنست ناراً } أي أبصرت إبصاراً لا شبهة فيه أو إبصاراً يؤنس به . والتركيب يدل على الظهور ، ومن ذلك إنسان العين لأنه يظهر الأشياء ، ومنه الإنس لظهورهم كما قيل الجن لاستتارهم ، ومنه الأنس ضد الوحشة لظهور المطلوب وهو المأنوس به . قال جار الله : لما وجد الإيناس وكان مقطوعاً متيقناً حققه لهم بكلمة " إن " ليوطن أنفسهم . ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين بنى الأمر فيهما على الرجاء دون الجزم قائلاً { لعلي آتيكم } قال المحققون : فيه دلالة على أن إبراهيم عليه السلام لم يكذب ألبتة لأن موسى قبل نبوته احترز عن الكذب المظنون فلم يقل " إني آتيكم " لئلا يعد ما لم يستيقن الوفاء به ، فإبراهيم وهو أبو الأنبياء أولى بالاحتراز من الكذب الصريح . والقبس النار المقتبسة في رأس عود أو فتيلة ونحوهما . { وهدى } على حذف المضاف أي ذوي هدى ، أو إذا وجد الهداة فقد وجد الهدى . والظاهر أنه أراد قوماً يهدونني الطريق . وعن مجاهد وقتادة : قوماً ينفعونني بهداهم في أبواب الدين ، وذلك أن همم الأبرار معقودة في جميع أحوالهم بالأمور الدينية لا يشغلهم عنها شاغلٌ . ومعنى الاستعلاء في على النار وهو مفعول ثانٍ لأجد ، أو حال من ذوي هدى أن أهل النار يشغلون المكان القريب منها أو المصطلون بها كفنوها قياماً وقعوداً فهم مشرفون عليها وإن كان المكانان مستويين .

/خ36