الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِذۡ رَءَا نَارٗا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدٗى} (10)

يجوز أن ينتصب { إِذْ } ظرفاً للحديث ، لأنه حدث أو لمضمر ، أي : حين { رَءَا نَاراً } كان كيت وكيت . أو مفعولاً ل ( اذكر ) استأذن موسى شعيباً عليهما السلام في الخروج إلى أمه وخرج بأهله ، فولد له في الطريق ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة ، وقد ضلّ الطريق وتفرّقت ماشيته ولا ماء عنده ، وقدح فصلد زنده فرأى النار عند ذلك . قيل : كانت ليلة جمعة { امكثوا } أقيموا في مكانكم . الإيناس : الإبصار البين الذي لا شبهة فيه ، ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء ، والإنس : لظهورهم ، كما قيل الجنّ لاستتارهم وقيل : هو إبصار ما يؤنس به . لما وجد منه الإيناس فكان مقطوعاً متيقناً ، حققه لهم بكلمة «إنّ » ليوطن أنفسهم ، ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين ، بني الأمر فيهما على الرجاء والطمع وقال { لعلي } ولم يقطع فيقول : إني { ءَاتِيكُمْ } لئلا يعد ما ليس بمستيقن الوفاء به . القبس : النار المقتبسة في رأس عود أو فتيلة أو غيرهما . ومنه قيل : المقبسة ، لما يقتبس فيه من سعفة أو نحوها { هُدًى } أي قوماً يهدونني الطريق أو ينفعونني بهداهم في أبواب الدين ، عن مجاهد وقتادة ؛ وذلك لأنّ أفكار الأبرار مغمورة بالهمة الدينية في جميع أحوالهم لا يشغلهم عنها شاغل . والمعنى : ذوي هدى . و إذا وجد الهداة فقدوجد الهدى . ومعنى الاستعلاء في { عَلَى النار } أنّ أهل النار يستعلون المكان القريب منها ، كما قال سيبويه في مررت بزيد : إنه لصوق بمكان يقرب من زيد . أو لأنّ المصطلين بها والمستمتعين بها إذا تكنفوها قياماً وقعوداً كانوا مشرفين عليها ، ومنه قول الأعشى :

وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلَّقُ ***