فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِذۡ رَءَا نَارٗا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدٗى} (10)

و{ إِذْ رَأَى نَاراً } ظرف للحديث . وقيل : العامل فيه مقدر ، أي اذكر . وقيل : يقدر مؤخراً أي حين رأى ناراً كان كيت وكيت ، وكانت رؤيته للنار في ليلة مظلمة لما خرج مسافراً إلى أمه بعد استئذانه لشعيب ف[ لما ] رآها { قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا } والمراد بالأهل هنا : امرأته ، والجمع لظاهر لفظ الأهل أو للتفخيم ؛ وقيل : المراد بهم المرأة والولد والخادم ، ومعنى { امكثوا } : أقيموا مكانكم ، وعبر بالمكث دون الإقامة ؛ لأن الإقامة تقتضي الدوام ، والمكث ليس كذلك . وقرأ حمزة : «لأهله » بضم الهاء ، وكذا في القصص . قال النحاس : وهذا على لغة من قال : مررت بهو يا رجل ، فجاء به على الأصل وهو جائز ، إلا أن حمزة خالف أصله في هذين الموضعين خاصة . { إِنّي آنَسْتُ نَاراً } أي أبصرت ، يقال : آنست الصوت سمعته ، وآنست الرجل : أبصرته . وقيل : الإيناس : الإبصار البين . وقيل : الإيناس مختص بإبصار ما يؤنس . والجملة تعليل للأمر بالمكث ، ولما كان الإتيان بالقبس ، ووجود الهدى متوقعين بني الأمر على الرجاء ، فقال : { لَعَلّي آتِيكُمْ منْهَا بِقَبَسٍ } أي أجيئكم من النار بقبس . والقبس : شعلة من النار ، وكذا المقباس ، يقال : قبست منه ناراً أقبس ناراً قبساً فأقبسني ، أي أعطاني وكذا اقتبست . قال اليزيدي : أقبست الرجل علماً وقبسته ناراً ، فإن كنت طلبتها له قلت : أقبسته . وقال الكسائي : أقبسته ناراً وعلماً سواء ، قال : وقبسته أيضاً فيهما . { أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى } أي هادياً يهديني إلى الطريق ويدلني عليها . قال الفراء : أراد هادياً ، فذكره بلفظ المصدر ، أو عبر بالمصدر لقصد المبالغة على حذف المضاف ، أي ذا هدى ، وكلمة «أو » في الموضعين لمنع الخلوّ دون الجمع ، وحرف الاستعلاء للدلالة على أن أهل النار مستعلون على أقرب مكان إليها .

/خ16