البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذۡ رَءَا نَارٗا فَقَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ أَوۡ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدٗى} (10)

والظاهر أن { إذ } ظرف للحديث لأنه حدث .

وأجاز الزمخشري أن تكون ظرفاً لمضمر أي { ناراً } كان كيت وكيت ، وأن تكون مفعولاً لأذكر { امكثوا } أي أقيموا في مكانكم ، وخاطب امرأته وولديه والخادم .

وقرأ الأعمش وطلحة وحمزة ونافع في رواية { لأهله امكثوا } بضم الهاء وكذا في القصص والجمهور بكسرها { إني آنست } أي أحسست ، والنار على بعد لا تحس إلاّ بالبصر فلذلك فسره بعضهم برأيت ، والإيناس أعم من الرؤية لأنك تقول { آنست } من فلان خيراً .

وقال الزمخشري : الإيناس الإبصار البيّن الذي لا شبهة فيه ، ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء والإنس لظهورهم كما قيل الجن لاستتارهم .

وقيل : هو إبصار ما يؤنس به لما وجد منه الإيناس فكان مقطوعاً متيقناً حققه لهم بكلمة إن ليوطن أنفسهم .

ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين بنى الأمر فيهما على الرجاء والطمع ، وقال : لعل ولم يقطع فيقول إني آتيكم لئلا يعد ما ليس يستيقن الوفاء به انتهى .

والظاهر أنه رأى نوراً حقيقة .

وقال الماوردي : كانت عند موسى { ناراً } وكانت عند الله نوراً .

قيل : وخيِّل له أنه نار .

قيل : ولا يجوز هذا لأن الإخبار بغير المطابق لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

ولفظة على ههنا على بابها من الاستعلاء ، ومعناه إن أهل النار يستعلون المكان القريب منها ، أو لأن المصطلين بها والمستمتعين إذا تكنفوها قياماً وقعوداً كانوا مشرفين عليها ومنه قول الأعشى :

ويأت على النار الندى والمحلق . . .

وقال ابن الأنباري : على بمعنى عند وبمعنى مع وبمعنى الباء ، وذكر الزجّاج أنه ضل عن الماء فترجى أن يلقى من يهديه الطريق أو يدله على الماء ، وانتصب { هدى } على أنه مفعول به على تقدير محذوف أي ذا { هدى } أو على تقدير حذف لأنه إذا وجد الهادي فقد وجد الهدى هدى الطريق .

وقيل : { هدى } في الدين قاله مجاهد وقتادة وهو بعيد ، وهو وإن كان طلب من يهديه الطريق فقد وجد الهدى على الإطلاق .