تحدثت هذه السورة عن المكذب بالجزاء في الآخرة ، فذكرت من أوصافه : أنه يهين اليتيم ويزجره غلظة لا تأديبا ، وأنه لا يحث بقول أو فعل على إطعام المساكين ؛ لأنه شحيح بماله ، بخيل بما في يده ، ثم ذكرت فريقا شبيها بهذا المكذب بالجزاء ، وهم غافلون عن صلاتهم الذين لا يؤدونها كما طلبت ، والذين يقومون بها صورة لا معنى ، المراءون بأعمالهم ، المانعون معونتهم من المحتاجين إليها ، وتوعدت هؤلاء بالويل والهلاك ليرجعوا عن غيهم .
وهي مكية بلا خلاف علمته ، وقال الثعلبي : هي مدنية{[1]} .
هذا توقيف وتنبيه لتتذكر نفس السامع كل من يعرفه بهذه الصفة ، وهمز أبو عمرو : «أرأيت » بخلاف عنه ، ولم يهمزها نافع وغيره ، و { الدين } الجزاء ثواباً وعقاباً ، والحساب هنا قريب من الجزاء .
سميت هذه السورة في كثير من المصاحف وكتب التفسير { سورة الماعون } لورود لفظ الماعون فيها دون غيرها .
وسميت في بعض التفاسير { سورة أرأيت } وكذلك في مصحف من مصاحف القيروان في القرن الخامس ، وكذلك عنونها في صحيح البخاري .
وعنونها ابن عطية ب{ سورة أرأيت الذي } . وقال الكواشي في التلخيص { سورة الماعون والدين وأرأيت } ، وفي الإتقان : وتسمى { سورة الدين } وفي حاشيتي الخفاجي وسعدي تسمى { سورة التكذيب } وقال البقاعي في نظم الدرر تسمى { سورة اليتيم } . وهذه ستة أسماء .
وهي مكية في قول الأكثر . وروي عن ابن عباس ، وقال القرطبي عن قتادة : هي مدنية . وروي عن ابن عباس أيضا . وفي الإتقان : قيل نزلت ثلاث أولها بمكة أي إلى قوله { المسكين } وبقيتها نزلت بالمدينة ، أي بناء على أن قوله { فويل للمصلين } إلى آخر السورة أريد بها المنافقون وهو مروي عن ابن عباس وقاله هبة الله الضرير وهو الأظهر .
وعدت السابعة عشرة في عداد نزول السور بناء على أنها مكية ، نزلت بعد سورة التكاثر وقبل سورة الكافرون .
وعدت آياتها ستا عند معظم العادين : وحكى الآلوسي : أن الذين عدوا آياتها ستا أهل العراق أي البصرة والكوفة وقال الشيخ علي النوري الصفاقسي في غيث النفع : وآيها سبع حمصي أي شامي وست في الباقي . وهذا يخالف ما قاله الآلوسي .
من مقاصد التعجيب من حال من كذبوا بالبعث وتفظيع أعمالهم من الاعتداء على الضعيف واحتقاره والإمساك عن إطعام المسكين ، والإعراض عن قواعد الإسلام من الصلاة والزكاة لأنه لا يخطر بباله أن يكون في فعله ذلك ما يجلب له غضب الله وعقابه .
الاستفهام مستعمل في التعجيب من حال المكذبين بالجزاء ، وما أورثهم التكذيب من سوء الصنيع . فالتعجيب من تكذيبهم بالدين وما تفرع عليه من دَعّ اليتيم وعدم الحضّ على طعام المسكين ، وقد صيغ هذا التعجيب في نظم مشوِّق لأن الاستفهام عن رؤية من ثبتت له صلة الموصول يذهب بذهن السامع مذاهب شتى من تعرف المقصد بهذا الاستفهام ، فإن التكذيب بالدين شائع فيهم فلا يكون مثاراً للتعجب فيترقب السامع ماذا يَرِد بعده وهو قوله : { فذلك الذي يدع اليتيم } .
وفي إقحام اسم الإِشارة واسم الموصول بعد الفاء زيادة تشويق حتى تقرع الصلة سمع السامع فتتمكن منه كَمَالَ تَمكُّن .
وأصل ظاهر الكلام أن يقال : أرأيت الذي يكذب بالدين فَيدُع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين .
والإِشارة إلى الذي يكذب بالدين باسم الإِشارة لتمييزه أكملَ تمييز حتى يتبصر السامع فيه وفي صفته ، أو لتنزيله منزلة الظاهر الواضح بحيث يشار إليه .
والفاء لعطف الصفة الثانية على الأولى لإفادة تسبب مجموع الصفتين في الحكم المقصود من الكلام ، وذلك شأنها في عطف الصفات إذا كان موصوفها واحداً مثل قوله تعالى : { والصافات صفاً فالزاجرات زجراً فالتاليات ذكراً } [ الصافات : 1 3 ] .
فمعنى الآية عطفُ صفتي : دَع اليتيم ، وعدم إطعام المسكين على جزم التكذيب بالدين .
وهذا يفيد تشويه إنكار البعث بما ينشأ عن إنكاره من المذام ومن مخالفة للحق ومنَافياً لما تقتضيه الحكمة من التكليف ، وفي ذلك كناية عن تحذير المسلمين من الاقتراب من إحدى هاتين الصفتين بأنهما من صفات الذين لا يؤمنون بالجزاء .
وجيء في { يكذب } ، و { يدُعّ } ، و { يَحُضّ } بصيغة المضارع لإفادة تكرر ذلك منه ودوامه .
وهذا إيذان بأن الإِيمان بالبعث والجزاء هو الوازع الحق الذي يغرس في النفس جذور الإقبال على الأعمال الصالحة حتى يصير ذلك لها خلقاً إذا شبت عليه ، فزكت وانساقت إلى الخير بدون كلفة ولا احتياج إلى آمر ولا إلى مخافة ممن يقيم عليه العقوبات حتى إذا اختلى بنفسه وآمن الرقباء جاء بالفحشاء والأعمال النَّكراء .
والرؤية بصرية يتعدى فعلها إلى مفعول واحد ، فإن المكذبين بالدين معروفون وأعمالهم مشهورة ، فنزّلت شهرتهم بذلك منزلة الأمر المبصَر المشاهد .
وقرأ نافع بتسهيل الهمزة التي بعد الراء من { أرأيت } ألفاً . وروى المصريون عن ورش عن نافع إبدالها ألفاً وهو الذي قرأنا به في تونس ، وهكذا في فعل ( رأى ) كلما وقع بعد همزة استفهام ، وذلك فرار من تحقيق الهمزتين ، وقرأه الجمهور بتحقيقهما .
وقرأه الكسائي بإسقاط الهمزة التي بعد الراء في كل فعل من هذا القبيل . واسم الموصول وصلتُه مراد بهما جنس من اتصف بذلك . وأكثر المفسرين درجوا على ذلك .
وقيل : نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وقيل : في الوليد بن المغيرة المخزومي ، وقيل : في عمرو بن عائذ المخزومي ، وقيل : في أبي سفيان بن حرب قبل إسلامه بسبب أنه كان يَنحر كل أسبوع جَزوراً فجاءه مرة يتيم فسأله من لحمها فقرعه بعصا .
وقيل : في أبي جهل : كان وصياً على يتيم فأتاه عرياناً يسأله من مال نفسه فدفعه دفعاً شنيعاً .
والذين جعلوا السورة مدنية قالوا : نزلت في منافق لم يسموه ، وهذه أقوال معزو بعضها إلى بعض التابعين ولو تعينت لشخص معين لم يكن سبب نزولها مخصِّصاً حكمَها بمن نزلتْ بسببه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.