بدأت هذه السورة بالقسم بطوائف من خلق الله لها صفة والزجر والتلاوة على أن الله واحد ، والآيات شاهدة بذلك ، فهو رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ، الذي زين السماء الدنيا بالكواكب ، وجعلها محفوظة من كل مارد خارج عن طاعة الله . وبعد تقرير عقيدة التوحيد أتبعت ذلك بتقرير عقيدة البعث ، وهددت المرتابين فيه بأنه سيفاجئهم وهم ينظرون ، وساقت أدلة إمكانه وسهولة وقوعه ، وهم يرونه يقولون : هذا يوم الدين ، ويقال لهم : هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون . ويحشر فيه الظالمون وما كانوا يعبدون ، ويسألون ويتحاجون ، ويحمل بعضهم بعضا إثم ما أصابه ، وهم جميعا في العذاب مشتركون ، فقد استكبروا عن توحيد الله ، ورموا رسولهم بالخبال والجنون ، مع أنه جاءهم بالحق ، وصدق المرسلين فيما جاءوا به عن الله . والمؤمنون المخلصون يمتعون بأنواع النعيم ، ويتذكرون نعم الله ، ويطلعون على قرناء السوء فيرونهم في سواء الجحيم ، فيحمدون لله نعمة عصمتهم ونجاتهم من دعوتهم . وبعد ذلك أخذت السورة تصف منازل الظالمين ومنازل المؤمنين ، وأتبعت ذلك بسرد أخبار المرسلين تسلية لرسول الله وعظة لقومه الجاحدين . وتذكر بعض قصص تعددت وقائعه واختلفت أزمانه وأشخاصه بين فيه منزلة الرسالة والمرسلين ونقضت السورة مزاعم المشركين من أن لله البنات ولهم البنون ، وأنه جعل الملائكة إناثا ، وأن بين الرسول وبين الجنة نسبا تنزه الله عما يصفون وعباده هم المنصورون ، وجنده هم الغالبون ، وعذابه يسيء صباح المنذرين ، وختمت السورة بتنزيه رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .
1- أُقسم بطوائف من خلقي ، تصطف بنفسها صفا مُحكماً في مقام العبودية والانقياد .
قوله تعالى : { والصافات صفا } قال ابن عباس رضي الله عنهما ، والحسن ، وقتادة : هم الملائكة في السماء يصفون كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة .
أخبرنا عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أنبأنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، أخبرنا أبو علي محمد بن العلاء ، أخبرنا أحمد اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا زهير قال : سألت سليمان الأعمش عن حديث جابر عن سمرة في الصفوف المقدمة فحدثنا عن المسيب بن رافع بن طرفة عن جابر عن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم ؟ قلنا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟ قال : يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون في الصف " وقيل : هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله تعالى بما يريده . وقيل : هي الطيور ، دليله قوله تعالى : { والطير صافات } .
بسم الله الرحمن الرحيم { والصافات صفا* فالزاجرات زجرا* فالتاليات ذكرا } أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية على مراتب باعتبارها تفيض عليهم الأنوار الإلهية منتظرين لأمر الله الزاجرين الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به فيها أو الناس عن المعاصي بإلهام الخير ، أو الشياطين عن التعرض لهم التالين آيات الله وجلايا قدسه على أنبيائه وأوليائه ، أو بطوائف الأجرام المرتبة كالصفوف المرصوصة والأرواح المدبرة لها والجواهر القدسية المستغرقة في بحار القدس { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } أو بنفوس العلماء الصافين في العبادات الزاجرين عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح التالين آيات الله وشرائعه ، أو بنفوس الغزاة الصافين في الجهاد الزاجرين الخيل ، أو العدو التالين ذكر الله لا يشغلهم عنه مباراة العدو والعطف لاختلاف الذوات ، أو الصفات والفاء لترتيب الوجود كقوله :
يا لهف زيابة للحارث الصاب *** اح فالغانم فالآيب
فإن الصف كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر ، أو الإشاقة إلى قبول الخير والتلاوة إفاضته أو الرتبة كقوله عليه الصلاة والسلام " رحم الله المحلقين فالمقصرين " غير أنه لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس ، وأدغم أبو عمرو وحمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.