فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلصَّـٰٓفَّـٰتِ صَفّٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الصافات

هي مائة واثنتان وثمانون آية وهي مكية . قال القرطبي : في قول الجميع . وأخرج ابن الضريس وابن النحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : نزلت بمكة . وأخرج النسائي والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات . قال ابن كثير : تفرد به النسائي . وأخرج ابن أبي داود في فضائل القرآن ، وابن النجار في تاريخه من طريق نهشل بن سعد الورداني عن الضحاك عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ يس والصافات يوم الجمعة ثم سأل الله أعطاه سؤله » . وأخرج أبو نعيم في الدلائل والسلفي في الطيوريات عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله ملوك حضر موت عند قدومهم عليه أن يقرأ عليهم شيئاً مما أنزل الله قرأ «الصافات صفا » حتى بلغ «رب المشارق والمغارب » الحديث .

قوله : { والصافات صَفَّا } قرأ أبو عمرو وحمزة ، وقيل : حمزة فقط ، بإدغام التاء من الصافات في صاد صفاً ، وإدغام التاء من الزاجرات في زاي زجراً ، وإدغام التاء من التاليات في ذال ذكراً ، وهذه القراءة قد أنكرها أحمد بن حنبل لما سمعها . قال النحاس : وهي بعيدة في العربية من ثلاثة جهات : الجهة الأولى أن التاء ليست من مخرج الصاد ، ولا من مخرج الزاي ، ولا من مخرج الدال ، ولا من أخواتهن . الجهة الثانية أن التاء في كلمة ، وما بعدها في كلمة أخرى . الثالثة أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين ، وإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا إذا كانا في كلمة واحدة . وقال الواحدي : إدغام التاء في الصاد حسن لمقاربة الحرفين ، ألا ترى أنهما من طرف اللسان . وقرأ الباقون بإظهار جميع ذلك ، والواو للقسم ، والمقسم به الملائكة : الصافات ، والزاجرات ، والتاليات . والمراد ب{ الصافات } التي تصفّ في السماء من الملائكة كصفوف الخلق في الدنيا ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة . وقيل : إنها تصفّ أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد . وقال الحسن : صفاً كصفوفهم عند ربهم في صلاتهم . وقيل : المراد بالصافات هنا : الطير كما في قوله : { أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صافات } [ الملك : 19 ] والأوّل أولى ، والصفّ : ترتيب الجمع على خطّ كالصفّ في الصلاة . وقيل : الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفاً في الصلاة ، أو في الجهاد ، ذكره القشيري .

/خ19