غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلصَّـٰٓفَّـٰتِ صَفّٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة والصافات مكية حروفها ثلاثة آلاف وثمانمائة وستة وعشرون كلمها ثمانمائة وستون آياتها مائة واثنان وثمانون .

1

التفسير : إنه سبحانه بدأ في أوّل هذه السورة بالتوحيد كما ختم السورة المتقدمة بذكر المعاد وأقسم على المطلوب بثلاثة أشياء ، أما الحكمة في القسم فكما مرّ في أول سورة يس ، وأما الإقسام بغير الله وصفاته فلا نسلم أنه لا يجوز لله سبحانه ، أو هو على عادة العرب ، أو المراد تعظيم هذه الأشياء وتشريفها ، أو المراد رب هذه الأشياء فحذف المضاف . قال الواحدي : إدغام التاء في الصاد حسن وكذا التاء في الزاي وفي الذال لتقارب مخارجها ، إلا ترى أن التاء والصاد هما من طرف اللسان وأوصل الثنايا ويجتمعان في الهمس ، والمدغم فيه يزيد على المدغم في الإطباق والصفير وإدغام الأنقص في الأزيد حسن ؟ وأيضا الزاي مجهورة وفيها زيادة صفير . ثم المقسم بها في الآيات إما أن تكون صفات ثلاثاً لموصوف واحد أو صفات لموصوفات متباينة . وأما التقدير الأوّل ففيه وجوه الأوّل : أنها صفة الملائكة لأنهم صفوف في السماء كصفوف المصلين في الأرض ، أو أنهم يصفون أجنحتهم في الهواء واقفين منتظرين لأمر الله تعالى . والصف ترتيب الشيء على نسق . الفاعل صاف ، والجماعة صافة ، والصافات جمع الجمع ولولا ذلك لقيل والصافين . قال الحكيم : يشبه أن يكون معنى كونهم صفوفاً أن لكل منهم مرتبة معينة في الشرف أو بالغلبة والحاصل أن كونهم صافين إشارة إلى استكمال جواهر الملائكة في ذواتها أعني وقوفهم في مواقف العبودية والطاعة الوجه الثاني أنها صفات النفوس الإنسانية المقبلة على عبودية الله وعبادته وهم ملائكة الأرض ، أقسم بنفوس المصلين بالجماعات أو أقسم بنفوس العلماء الصافات لأجل الدعوة إلى دين الله . الوجه الثالث أنها صفات آيات القرآن وذلك أنها أنواع مختلفة بعضها دلائل التوحيد ، وبعضها دلائل العلم والقدرة ، وبعضها دلائل النبوة ، وبعضها دلائل المعاد ، وبعضها بيان التكاليف والأحكام ، وبعضها تعليم الأخلاق الفاضلة ، وكلها مترتبة ترتيباً لا يتغير ولا يتبدل فكأنها أجرام واقفة في صفوف معينة ، ولا ريب أنها تزجر المكلفين عن المناهي والمنكرات . وأما نسبة التلاوة إليهن فمجاز كما يقال : شعر شاعر .

/خ82