قوله تعالى : { وإنه } يعني القرآن ، { في أم الكتاب } في اللوح المحفوظ . قال قتادة : أم الكتاب : أصل الكتاب ، وأم كل شيء : أصله . قال ابن عباس : أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب بما يريد أن يخلق ، فالكتاب عنده ، ثم قرأ ( وإنه في أم الكتاب ) { لدينا } ، فالقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال : { بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ } ( البروج-21 ) . { لعلي حكيم } ، قال قتادة : يخبر عن منزلته وشرفه ، أي : إن كذبتم بالقرآن يا أهل مكة فإنه عندنا لعلي رفيع شريف محكم من الباطل .
ثم يبين منزلة هذا القرآن عنده وقيمته في تقديره الأزلي الباقي :
( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) . .
ولا ندخل في البحث عن المدلول الحرفي لأم الكتاب ما هي : أهي اللوح المحفوظ ، أم هي علم الله الأزلي . فهذا كهذا ليس له مدلول حرفي محدد في إدراكنا . ولكننا ندرك منه مفهوماً يساعد على تصورنا لحقيقة كلية . وحين نقرأ هذه الآية : ( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) . . فإننا نستشعر القيمة الأصيلة الثابتة لهذا القرآن في علم الله وتقديره . وهذا حسبنا . فهذا القرآن( عليّ ) . . ( حكيم ) . . وهما صفتان تخلعان عليه ظل الحياة العاقلة . وإنه لكذلك ! وكأنما فيه روح . روح ذات سمات وخصائص ، تتجاوب مع الأرواح التي تلامسها . وهو في علوه وفي حكمته يشرف على البشرية ويهديها ويقودها وفق طبيعته وخصائصه . وينشئ في مداركها وفي حياتها تلك القيم والتصورات والحقائق التي تنطبق عليها هاتان الصفتان : علي . حكيم .
وتقرير هذه الحقيقة كفيل بأن يشعر القوم الذين جعل القرآن بلسانهم بقيمة الهبة الضخمة التي وهبها الله إياهم ، وقيمة النعمة التي أنعم الله عليهم ؛ ويكشف لهم عن مدى الإسراف القبيح في إعراضهم عنها واستخفافهم بها ، ومدى استحقاقهم هم للإهمال والإعراض ؛
عطف على جملة { إنا جعلناه قرآناً عربياً } [ الزخرف : 3 ] ، فهو زيادة في الثناء على هذا الكتاب ثناء ثانياً للتنويه بشأنه رفعةً وإرشاداً .
و { أمّ الكتاب } : أصل الكتاب . : والمراد ب { أم الكتاب } علمُ الله تعالى كما في قوله : { وعنده أمُّ الكتاب } في سورة الرعد ( 39 ) ، لأن الأمّ بمعنى الأصل والكتاب هنا بمعنى المكتوب ، أي المحقق الموثق وهذا كناية عن الحق الذي لا يقبل التغيير لأنهم كانوا إذا أرادوا أن يحققوا عهداً على طول مدة كتبوه في صحيفة ، قال الحارث بن حلزة :
حَذر الجَور والتطاخي وهل يَن *** قُض ما في المَهارق الأهواء
و { عليٌّ } أصله المرتفع ، وهو هنا مستعار لشرف الصفة وهي استعارة شائعة .
وحكيم : أصله الذي الحكمة من صفات رأيه ، فهو هنا مجاز لما يحوي الحكمة بما فيه من صلاح أحوال النفوس والقوانين المقيّمة لنظام الأمة .
ومعنى كون ذلك في علم الله : أن الله عَلمه كذلك وما عَلِمه الله لا يقبل الشك . ومعناه : أن ما اشتمل عليه القرآن من المعاني هو من مراد الله وصدر عن علمه . ويجوز أيضاً أن يفيد هذا شهادة بعلوّ القرآن وحكمته على حد قولهم في اليمين : الله يعلم ، وعَلِم الله .
وتأكيد الكلام ب ( إنَّ ) لردّ إنكار المخاطبين إذ كذّبوا أن يكون القرآن موحًى به من الله .
و{ لدينا } ظرف مستقر هو حال من ضمير { إِنهُ } أو من { أم الكتاب } والمقصود : زيادة تحقيق الخبر وتشريف المخبر عنه . وقرأ الجمهور في { أم الكتاب } بضمّ همزة { أم } . وقرأه حمزة والكسائي بكسر همزة { إِم الكتاب } في الوصل اتباعاً لكسرة { في } ، فلو وقف على { في } لم يكسر الهمزة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.