اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4)

قوله تعالى : { وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب } متعلقان بما بعدهما ، ولا تمنع اللام{[49578]} من ذلك . ويجوز أن يكونا حالين مما بعدهما ؛ لأنهما كانا وصفين له في الأصل فيتعلقان بمحذوف ، ويجوز أن يكون «لدينا » متعلقاً بما تعلق به الجار قبله ، إذا جعلناه حالاً من لَعَلِيّ ، وأن يكون حالاً من الضمير المستتر فيه . وكذا يجوز في الجار أن يتعلق بما تعلق به الظرف وأن يكون حالاً من ضميره عند من يجوز ( تقديمها ){[49579]} على العامل المعنوي ، ويجوز أن يكون الظرف بدلاً من الجار قبله ، وأن يكونا حالين من «الكتاب » أو مِنْ «أُمِّ »{[49580]} .

ذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو البقاء{[49581]} ، وقال : «ولا يجوز أن يكون واحدٌ من الظرفين خبراً ؛ لان الخبر لزم أن يكون » عَلِيًّا «من أجل اللام »{[49582]} . قال شهاب الدين : وهذا يمنع أن تقول : «إنَّْ زَيْداً كَاتِبٌ لَشَاعِرٌ ؛ لأنه منع أن يكون غير المقترن بها خبراً »{[49583]} .

وقرأ حمزةُ والكِسَائِيُّ إم الكتاب بكسر الألف{[49584]} والباقون بالضم . والضمير في قوله «وَإنَّهُ » عائد إلى الكتاب المتقدم ذكره .

فصل

قيل : أم الكتاب هو اللوح المحفوظ{[49585]} . قال قتادة : أم الكتاب أصل الكتاب ، وأُمُّ كُلِّ شيء أصْله .

قال ابن عباس : ( رضي الله عنه ){[49586]} : أَوَّلُ ما خَلَقَ اللهُ القَلَمَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِمَا يُرِيدُ أنْ يَخْلُقَ فالكتاب عنده ثم قرأ : وإنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا{[49587]} ، فالكتاب مثبت عنده في اللوح المحفوظ كما قال : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [ البروج : 21-22 ] .

وقوله : { لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } قال قتادة : يخبر عن منزلته وشرفه ، أي إن كَذَّبْتُمْ بالقرآن يا أهل مكة فَإنه عندنا «لَعَلِيٌّ » رفيع شريف «حَكِيمٌ » ِأي محكم في أبواب البلاغة والفصاحة ، أو ذو حكمة بالغةٍ . قيل : المراد بأم الكتاب الآيات المحكمة لقوله تعالى : { هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتاب } [ آل عمران : 7 ] والمعنى أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمة التي هي الأصل والأم .

فإن قيل : ما الحكمة في خلق هذا اللوح المحفوظ مع أنه تعالى علام الغيوب فيستحيل عليه السهو والنسيان ؟

فالجواب : أنه تعالى لما أثْبَتَ{[49588]} في ذلك أحكامَ حوادثِ المخلوقات ، ثم إن الملائكة إذا شاهدوا أن جميع الحوادث إنما تحدث على موافَقَة ذلك المكتوب استدلوا بذلك على كمال حكمته وعلمه{[49589]} .


[49578]:في ب يمنع بالتذكير.
[49579]:سقط ذلك اللفظ من ب ففيها "بياض".
[49580]:بتوضيح وتفصيل من كتاب الدر المصون للسمين 4/771.
[49581]:التبيان 1137.
[49582]:قال: ولكن يجوز أن كل واحد منهما صفة للخبر، فصارت حالا بتقدمها، وانظر المرجع السابق.
[49583]:الدر المصون له 4/771.
[49584]:لم أجدها في المتواتر عنهما، ويبدو أنها شاذة من الأربع فوق العشر. انظر الإتحاف 384 والفخر الرازي 27/194 والقرطبي 16/62.
[49585]:القرطبي 16/62.
[49586]:ساقط من ب وانظر رأي قتادة في معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/405.
[49587]:القرطبي السابق والرازي 27/194.
[49588]:كذا ما أثبته من الرازي وفي ب وفي أ "ثبت" بدون همزة التعدية.
[49589]:قاله الإمام الرازي في مرجعه السابق.