قوله تعالى : { وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب } متعلقان بما بعدهما ، ولا تمنع اللام{[49578]} من ذلك . ويجوز أن يكونا حالين مما بعدهما ؛ لأنهما كانا وصفين له في الأصل فيتعلقان بمحذوف ، ويجوز أن يكون «لدينا » متعلقاً بما تعلق به الجار قبله ، إذا جعلناه حالاً من لَعَلِيّ ، وأن يكون حالاً من الضمير المستتر فيه . وكذا يجوز في الجار أن يتعلق بما تعلق به الظرف وأن يكون حالاً من ضميره عند من يجوز ( تقديمها ){[49579]} على العامل المعنوي ، ويجوز أن يكون الظرف بدلاً من الجار قبله ، وأن يكونا حالين من «الكتاب » أو مِنْ «أُمِّ »{[49580]} .
ذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو البقاء{[49581]} ، وقال : «ولا يجوز أن يكون واحدٌ من الظرفين خبراً ؛ لان الخبر لزم أن يكون » عَلِيًّا «من أجل اللام »{[49582]} . قال شهاب الدين : وهذا يمنع أن تقول : «إنَّْ زَيْداً كَاتِبٌ لَشَاعِرٌ ؛ لأنه منع أن يكون غير المقترن بها خبراً »{[49583]} .
وقرأ حمزةُ والكِسَائِيُّ إم الكتاب بكسر الألف{[49584]} والباقون بالضم . والضمير في قوله «وَإنَّهُ » عائد إلى الكتاب المتقدم ذكره .
قيل : أم الكتاب هو اللوح المحفوظ{[49585]} . قال قتادة : أم الكتاب أصل الكتاب ، وأُمُّ كُلِّ شيء أصْله .
قال ابن عباس : ( رضي الله عنه ){[49586]} : أَوَّلُ ما خَلَقَ اللهُ القَلَمَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِمَا يُرِيدُ أنْ يَخْلُقَ فالكتاب عنده ثم قرأ : وإنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا{[49587]} ، فالكتاب مثبت عنده في اللوح المحفوظ كما قال : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [ البروج : 21-22 ] .
وقوله : { لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } قال قتادة : يخبر عن منزلته وشرفه ، أي إن كَذَّبْتُمْ بالقرآن يا أهل مكة فَإنه عندنا «لَعَلِيٌّ » رفيع شريف «حَكِيمٌ » ِأي محكم في أبواب البلاغة والفصاحة ، أو ذو حكمة بالغةٍ . قيل : المراد بأم الكتاب الآيات المحكمة لقوله تعالى : { هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتاب } [ آل عمران : 7 ] والمعنى أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمة التي هي الأصل والأم .
فإن قيل : ما الحكمة في خلق هذا اللوح المحفوظ مع أنه تعالى علام الغيوب فيستحيل عليه السهو والنسيان ؟
فالجواب : أنه تعالى لما أثْبَتَ{[49588]} في ذلك أحكامَ حوادثِ المخلوقات ، ثم إن الملائكة إذا شاهدوا أن جميع الحوادث إنما تحدث على موافَقَة ذلك المكتوب استدلوا بذلك على كمال حكمته وعلمه{[49589]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.