إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4)

{ وَإِنَّهُ فِي أُمّ الكتاب } أي في اللوحِ المحفوظِ ، فإنَّه أصلُ الكتبِ السماويةِ . وقُرِئَ إِمِّ الكتابِ بالكسرِ { لَدَيْنَا } أي عندنَا { لعَلّي } رفيعٌ القدرِ بينَ الكتبِ شريفٌ . { حَكِيمٌ } ذُو حَكمةٍ بالغةٍ ، أو محكمٌ وهُما خبرانِ لإنَّ وما بينهُمَا بيانٌ لمحلِّ الحكمِ ، كأنَّه قيلَ بعدَ بيانِ اتصافِه بما ذُكِرَ منَ الوصفينِ الجليلينِ : هذا في أمِّ الكتابِ ولدينَا . والجملةُ إمَّا عطفٌ على الجملةِ المقسمِ عليها ، داخلةٌ في حُكمها ففي الإقسامِ بالقرآنِ على علوِّ قدرِه عندَهُ تعالَى براعةٌ بديعةٌ وإيذانٌ بأنَّه من عُلِّو الشأنِ بحيثُ لا يحتاجُ في بيانِه إلى الاستشهادِ عليهِ بالإقسامِ بغيرهِ بل هُو بذاتِه كافٍ في الشهادةِ على ذلكَ من حيثُ الإقسامُ بهِ كَما أنَّه كافٍ فيها من حيثُ إعجازُه ورمزٌ إلى أنَّه لا يخطرُ بالبالِ عند ذكرِه شيءٌ آخرُ منه بالإقسامِ به . وإمَّا مستأنفةٌ مقررةٌ لعلوِّ شأنِه الذي أنبأَ عنه الإقسامُ به على منهاجِ الاعتراضِ في قولِه تعالى : { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [ سورة الواقعة ، الآية 67 ] وبعدما بيَّنَ علوَّ شأنِ القرآنِ العظيمِ وحققَ أنَّ إنزالَهُ على لغتِهم ليعقلوه ويؤمنوا به ويعملوا بموجبِه عقَّبَ ذلكَ بإنكارِ أنْ يكونَ الأمرُ بخلافهِ فقيلَ { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر } .