السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4)

وقوله تعالى : { وإنه } أي : القرآن عطف على إنا أي : مثبت { في أم الكتاب } أي : أصل الكتب وهو اللوح المحفوظ ، وقال قتادة : أم الكتاب أصل الكتاب وأم كل شيء أصله ، وقال ابن عباس : أول ما خلق الله تعالى القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق فالكتاب مثبت عنده في اللوح المحفوظ كما قال تعالى : { بل هو قرآن مجيد ( 21 ) في لوح محفوظ } ( البروج : 22 ) ، فإن قيل : ما الحكمة في خلق هذا اللوح المحفوظ مع أنه تعالى علام الغيوب يستحيل عليه السهو والنسيان ؟ .

أجيب : بأنه تعالى لما أثبت في ذلك أحكام حوادث المخلوقات ثم إن الملائكة إذا شاهدوا أن جميع الحوادث إنما تحدث على موافقة ذلك المكتوب استدلوا بذلك على كمال حكمته وعلمه ، وقيل : المراد بأم الكتاب الآيات المحكمة لقوله تعالى : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } ( آل عمران : 7 ) والمعنى : أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمة التي هي الأصل والأم ، وقرأ حمزة والكسائي في الوصل بكسر الهمزة والباقون بضمها واتفقوا في الابتداء بالهمزة على الضم وقوله تعالى : { لدينا } أي : عندنا بدل من الجار قبله { لعلي } أي : رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزاً من بينها { حكيم } أي : ذو حكمة بالغة أو محكم في أبواب البلاغة والفصاحة .