قوله تعالى : { وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً } خزياً وعذاباً ، { ويوم القيامة هم من المقبوحين } من المبعدين الملعونين ، وقال أبو عبيدة : من المهلكين . وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون ، يقال : قبحه الله ، وقبحه : إذا جعله قبيحاً ، ويقال : قبحه قبحاً ، وقبوحاً ، إذا أبعده من كل خير .
وليست الهزيمة وحدها ، إنما هي اللعنة في هذه الأرض ، والتقبيح في يوم القيامة :
( وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ، ويوم القيامة هم من المقبوحين ) .
ولفظة( المقبوحين )ترسم بذاتها صورة القبح والفضيحة والتشنيع ، وجو التقزز والاشمئزاز . ذلك في مقابل الاستعلاء والاستكبار في الأرض ، وفتنة الناس بالمظهر والجاه ، والتطاول على الله وعلى عباد الله .
إتباعهم باللعنة في الدنيا جعل اللعنة ملازمة لهم في علم الله تعالى ؛ فقدر لهم هلاكاً لا رحمة فيه ، فعبر عن تلك الملازمة بالاتباع على وجه الاستعارة لأن التابع لا يفارق متبوعه ، وكانت تلك عاقبة تلك اللعنة إلقاءهم في اليم . ويجوز أن يراد باللعنة لعن الناس إياهم ، يعني أن أهل الإيمان يلعنونهم .
وجزاؤهم يوم القيامة أنهم { من المقبوحين } ، والمقبوح المشتوم بكلمة ( قبح ) ، أي قبحه الله أو الناس ، أي جعله قبيحاً بين الناس في أعماله أي مذموماً ، يقال : قبحه بتخفيف الباء فهو مقبوح كما في هذه الآية ويقال : قبّحه بتشديد الباء إذا نسبه إلى القبيح فهو مقبّح ، كما في حديث أم زرع مما قالت العاشرة : « فعنده أقول فلا أقبّح » أي فلا يجعل قولي قبيحاً عنده غير مرضي .
والإشارة إلى الدنيا ب { هذه } لتهوين أمر الدنيا بالنسبة للآخرة .
والتخالف بين صيغتي قوله { وأتبعناهم } وقوله { هم من المقبوحين } ، لأن اللعنة في الدنيا قد انتهى أمرها بإغراقهم ، أو لأن لعن المؤمنين إياهم في الدنيا يكون في أحيان يذكرونهم ، فكلا الاحتمالين لا يقتضي الدوام فجيء معه بالجملة الفعلية . وأما تقبيح حالهم يوم القيامة فهو دائم معهم ملازم لهم فجيء في جانبه بالاسمية المقتضية الدوام والثبات .
وضمير { هم } في قوله { هم من المقبوحين } ليس ضمير فصل ولكنه ضمير مبتدأ وبه كانت الجملة اسمية دالة على ثبات التقبيح لهم يوم القيامة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وأتْبَعْناهُمْ فِي هَذِهِ الدّنْيا لَعْنَةً، وَيَوْمَ القيامَةِ" يقول تعالى ذكره: وألزمنا فرعون وقومه في هذه الدنيا خِزيا وغضبا منا عليهم، فحتمنا لهم فيها بالهلاك والبوار والثناء السيّئ، ونحن متبعوهم لعنة أخرى يوم القيامة، فمخزوهم بها الخزي الدائم، ومهينوهم الهوان اللازم...
وقوله: "هُمْ مِنَ المَقْبُوحِينَ "يقول تعالى ذكره: هم من القوم الذين قبحهم الله، فأهلكهم بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رسوله موسى عليه السلام، فجعلهم عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} وهو ما عذبوا في الدنيا، واستؤصلوا {ويوم القيامة هم من المقبوحين} قال بعضهم: مسودة وجوههم. وجائز أن يكون ذلك جزاء ما افتخروا في هذه بالحلي والزينة، وطعنوا في موسى، وجوابا لهم حين قالوا: {فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين} [الزخرف: 53] يخبر أنهم يكونون في الآخرة على غير الحال التي كانوا في الدنيا، وافتخروا بها. وقال بعضهم: القبوح هو السواد مع الزرقة.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
كانوا في الدنيا مُبْعَدين عن معرفته، وفي الآخرة مُبْعَدين عن مغفرته، فانقلبوا من طَرْدٍ إلى طرد، ومن هَجْرٍ إلى بُعْدٍ، ومن فراقٍ إلى احتراقٍ.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} وذلك أنهم لما هلكوا لعنوا فهم يعرضون على النار غدوة وعشية إلى يوم القيامة {ويوم القيامة هم من المقبوحين} الممقوتين المهلكين.
أما قوله: {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة} معناه لعنة الله والملائكة لهم وأمره تعالى بذلك فيها للمؤمنين، وبين أنهم يوم القيامة من المقبوحين أي المبعدين الملعونين، والقبح هو الإبعاد، قال الليث يقال: قبحه الله، أي نحاه عن كل خير. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من المشؤومين بسواد الوجه وزرقة العين، وعلى الجملة فالأولون حملوا القبح على القبح الروحاني وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، والباقون حملوه على القبح في الصور. وقيل فيه إنه تعالى يقبح صورهم ويقبح عليهم عملهم ويجمع بين الفضيحتين.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أخبر عن هذا الحال، أخبر عن ثمرته؛ فقال في مظهر العظمة، لأن السياق لبيان علو فرعون وآله، وأنهم مع ذلك طوع المشيئة {وأتبعناهم في هذه} ولما كان المراد الإطناب في بيان ملكهم، فسر اسم الإشارة فقال: {الدنيا} ولم يقل: الحياة، لأن السياق لتحقير أمرهم ودناءة شأنهم {لعنة} أي طرداً وبعداً عن جنابنا ودفعاً لهم بذلك ودعاء عليهم بذلك من كل من سمع خبرهم بلسانه إن خالفهم، أو بفعله الذي يكون عليهم مثل وزره إن والفهم {ويوم القيامة هم} أي خاصة، ومن شاكلهم {من المقبوحين} أي المبعدين أيضاً المخزيين مع قبح الوجوه والأشكال، والشناعة في الأقوال والأفعال والأحوال، من القبح الذي هو ضد الحسن، ومن قولهم: قبحت الشيء -إذا كسرته، وقبح الله العدو: أبعده عن كل خير...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وليست الهزيمة وحدها، إنما هي اللعنة في هذه الأرض، والتقبيح في يوم القيامة:
(وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة، ويوم القيامة هم من المقبوحين).
ولفظة (المقبوحين) ترسم بذاتها صورة القبح والفضيحة والتشنيع، وجو التقزز والاشمئزاز. ذلك في مقابل الاستعلاء والاستكبار في الأرض، وفتنة الناس بالمظهر والجاه، والتطاول على الله وعلى عباد الله.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
إتباعهم باللعنة في الدنيا جعل اللعنة ملازمة لهم في علم الله تعالى؛ فقدر لهم هلاكاً لا رحمة فيه، فعبر عن تلك الملازمة بالاتباع على وجه الاستعارة لأن التابع لا يفارق متبوعه، وكانت تلك عاقبة تلك اللعنة إلقاءهم في اليم. ويجوز أن يراد باللعنة لعن الناس إياهم، يعني أن أهل الإيمان يلعنونهم.
وجزاؤهم يوم القيامة أنهم {من المقبوحين}، والمقبوح المشتوم بكلمة (قبح)، أي قبحه الله أو الناس، أي جعله قبيحاً بين الناس في أعماله أي مذموماً، يقال: قبحه بتخفيف الباء فهو مقبوح كما في هذه الآية ويقال: قبّحه بتشديد الباء إذا نسبه إلى القبيح فهو مقبّح، كما في حديث أم زرع مما قالت العاشرة: « فعنده أقول فلا أقبّح» أي فلا يجعل قولي قبيحاً عنده غير مرضي.
والإشارة إلى الدنيا ب {هذه} لتهوين أمر الدنيا بالنسبة للآخرة.
والتخالف بين صيغتي قوله {وأتبعناهم} وقوله {هم من المقبوحين}، لأن اللعنة في الدنيا قد انتهى أمرها بإغراقهم، أو لأن لعن المؤمنين إياهم في الدنيا يكون في أحيان يذكرونهم، فكلا الاحتمالين لا يقتضي الدوام فجيء معه بالجملة الفعلية. وأما تقبيح حالهم يوم القيامة فهو دائم معهم ملازم لهم فجيء في جانبه بالاسمية المقتضية الدوام والثبات.
وضمير {هم} في قوله {هم من المقبوحين} ليس ضمير فصل ولكنه ضمير مبتدأ وبه كانت الجملة اسمية دالة على ثبات التقبيح لهم يوم القيامة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
من الطريف أن فرعون الذي تقدّم قومه في هذه الدنيا وأغرقهم بمعيّته في أمواج النيل، يقدم قومه يوم القيامة أيضاً يخزيهم بمعيته في نار جهنم، إذ يقول القرآن في شأنه: (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النّار وبئس الورد المورود).