هذا قوام دعوته . أما وسيلة هذه الدعوة فهي تلاوة القرآن :
فالقرآن هو كتاب هذه الدعوة ودستورها ووسيلتها كذلك . وقد أمر أن يجاهد به الكفار . وفيه وحده الغناء فى جهاد الأرواح والعقول . وفيه ما يأخذ على النفوس أقطارها ، وعلى المشاعر طرقها ؛ وفيه ما يزلزل القلوب الجاسية ويهزها هزا لا تبقى معه على قرار . وما شرع القتال بعد ذلك إلا لحماية المؤمنين من الفتنة ، وضمان حرية الدعوة بهذا القرآن ، والقيام على تنفيذ الشرائع بقوة السلطان . أما الدعوة ذاتها فحسبها كتابها . . ( وأن أتلو القرآن ) . .
( فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه . ومن ضل فقل : إنما أنا من المنذرين ) . .
وفي هذا تتمثل فردية التبعة في ميزان الله ، فيما يختص بالهدى والضلال . وفي فردية التبعة تتمثل كرامة هذا الإنسان ، التي يضمنها الإسلام ، فلا يساق سوق القطيع إلى الإيمان . إنما هي تلاوة القرآن ، وتركه يعمل عمله في النفوس ، وفق منهجه الدقيق العميق ، الذي يخاطب الفطرة في أعماقها ، وفق ناموسها المتسق مع منهج القرآن .
وقوله : { وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ } أي : على الناس أبلغهم إياه ، كقوله : { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ } [ آل عمران : 58 ] ، وكقوله : { نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ القصص : 3 ] أي : أنا مبلغ ومنذر ، { فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ } أي : لي سوية الرسل الذين أنذروا قومهم ، وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة إليهم ، وخَلَصُوا من عهدتهم ، وحساب أممهم على الله ، كقوله تعالى : { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ } [ الرعد : 40 ] ، وقال : { إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [ هود : 12 ] .
{ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَىَ فَإِنّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلّ فَقُلْ إِنّمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُنذِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره : قُلِ إنّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هذِه البَلْدَةِ و أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِين وأنْ أتْلُوَا القُرآنَ ، فَمَنِ اهْتَدَى يقول : فمن تبعني وآمن بي وبما جئت به ، فسلك طريق الرشادفإنّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ يقول : فإنما يسلك سبيل الصواب باتباعه إياي ، وإيمانه بي ، وبما جئت به لنفسه ، لأنه بإيمانه بي ، وبما جئت به يأمن نقمته في الدنيا وعذابه في الآخرة . وقوله : وَمَنْ ضَلّ يقول : ومن جار عن قصد السبيل بتكذيبه بي وبما جئت به من عند الله فَقُل إنّمَا أنا مِنَ المُنْذِرِينَ يقول تعالى ذكره : فقل يا محمد لمن ضلّ عن قصد السبيل ، وكذبك ، ولم يصدّق بما جئت به من عندي ، إنما أنا ممن ينذر قومه عذاب الله وسخطه على معصيتهم إياه ، وقد أنذرتكم ذلك معشر كفار قُريش ، فإن قبلتم وانتهيتم عما يكرهه الله منكم من الشرك به ، فحظوظَ أنفسكم تصيبون ، وإن رددتم وكذبتم فعلى أنفسكم جنيتم ، وقد بلّغتكم ما أمرت بإبلاغه إياكم ، ونصحت لكم .
وقرأ ابن مسعود «وأن اتل القرآن »{[9096]} بمعنى وقيل لي اتل القرآن و «اتل » معناه تابع بقراءتك بين آياته واسرده وتلاوة القرآن سبب الاهتداء إلى خير كثير ، وقوله { فمن اهتدى } معناه من تكسب الهدى والإيمان ونظر نظراً ينجيه ف { لنفسه } سعيه .
قال القاضي أبو محمد : فنسبة الهدى والضلال إلى البشر في هذه الآية إنما هي بالتكسب والحرص والحال التي يقع عليها الثواب والعقاب والكل أيضاً من الله تعالى بالاختراع .
والتلاوة : قراءة كلام معين على الناس ، وقد تقدم في قوله تعالى { الذين ءاتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته } [ البقرة : 121 ] ، وقوله { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } في سورة البقرة ( 102 ) .
وحذف متعلق التلاوة لظهوره ، أي أن أتلوا القرآن على الناس . وفرع على التلاوة ما يقتضي انقسام الناس إلى مهتد وضال ، أي منتفع بتلاوة القرآن عليه وغير منتفع مبيناً أن من اهتدى فإنما كان اهتداؤه لفائدة نفسه . وهذا زيادة في تحريض السامعين على الاهتداء بهدي القرآن لأن فيه نفعه كما آذنت به اللام .
وإظهار فعل القول هنا لتأكيد أن حظ النبي صلى الله عليه وسلم ن دعوة المعرضين الضالين أن يبلغهم الإنذار فلا يطمعوا أن يحمله إعراضهم على أن يلح عليهم قبول دعوته . والمراد بالمنذرين : الرسل ، أي إنما أنا واحد من الرسل ما كنت بدعاً من الرسل وسنتي سنة من أرسل من الرسل قبلي وهي التبليغ { فهل على الرسل إلا البلاغ المبين } [ النحل : 35 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.