تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ} (92)

[ الآية 92 ] وقوله تعالى : { وأمرت أن أكون من المسلمين } { وأن أتلوا القرآن } أيضا عليكم . كأنهم أوعدوه بوعيد ، وخوفوه به ، وطلبوا منه الموافقة لهم . فقال عند ذلك لهم : { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة } وهو رب كل شيء ، أي أمرت أن أكون عبدا له ، لا أجعل نفسي عبدا لغيره ، وأمرت أيضا أن أجعل نفس سالما له ، لا أجعل لأحد فيها شركا كما جعلتم أنتم أيضا بذلك كله ، وأمرت أيضا أن أتلو القرآن عليكم . فأنا أتلوه عليكم ، كذبتموني ، أو لم تكذبوني فإني لا أخاف كيدكم ولا مكركم ، والله أعلم .

وفي قوله : { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها } دلالة لزوم الرسالة لأن أهل مكة وغيرهم قد أقروا جميعا بحرمة تلك البقعة من أوائلهم وأواخرهم . فما عرفوا ذلك إلا بالرسل . دل أن أوائلهم أقروا{[15206]} بالرسالة والنبوة . فعلى ذلك يلزم هؤلاء الإقرار/ 394- ب/ بها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } يخبر أن من آمن ، وقبل الهدى ، فإنما يفعل ذلك لمنفعة نفسه { ومن ضل } أيضا فإنما يكون ضرره عليه كقوله : { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } [ فصلت : 46 ] .

وقوله تعالى : { فقل إنما أنا من المنذرين } أي ليس علي إلا الإنذار . فأما [ غير ذلك فذلك ]{[15207]} عليكم كقوله : { فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } [ النور : 54 ] وقوله : { وما عليك من حسابكم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } [ الأنعام : 52 ] .


[15206]:- في الأصل وم: يقرون.
[15207]:- من م، في الأصل: على غير ذلك فلك.