الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ} (92)

{ وَأَنْ أَتْلُوَاْ القرءان } من التلاوة أو من التلوّ كقوله : { واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ } [ يونس : 109 ] ، [ الأحزاب : 2 ] . والبلدة : مكة حرسها الله تعالى : اختصها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها ؛ لأنها أحبّ بلاده إليه ، وأكرمها عليه ؛ وأعظمها عنده . وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج في مهاجره ، فلما بلغ الحزورة استقبلها بوجهه الكريم فقال : " إني أعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله . ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت " وأشار إليها إشارة تعظيم لها وتقريب ، دالاً على أنها موطن نبيه ومهبط وحيه . ووصف ذاته بالتحريم الذي هو خاص وصفها ، فأجزل بذلك قسمها في الشرف والعلو ، ووصفها بأنها محرّمة لا ينتهك حرمتها إلا ظالم مضادّ لربه { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادِ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الحج : 25 ] لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها . واللاجىء إليها آمن . وجعل دخول كل شيء تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخولها تحتهما . وفي ذلك إشارة إلى أن ملكاً ملك مثل هذه البلدة عظيم الشأن قد ملكها وملك إليها كل شيء : اللهم بارك لنا في سكناها ، وآمنا فيها شرَّ كل ذي شرّ ، ولا تنقلنا من جوار بيتك إلا إلى دار رحمتك . وقرىء : «التي حرّمها » . واتل عليهم هذا القرآن : عن أبيّ «وأن أتل » : عن ابن مسعود . { فَمَنِ اهتدى } باتباعه إياي فيما أنا بصدده من توحيد الله ونفي الأنداد عنه ، والدخول في الملة الحنيفية ، واتباع ما أنزل عليّ من الوحي ؛ فمنفعة اهتدائه راجعة إليه لا إليّ { وَمَن ضَلَّ } ولم يتبعني فلا عليّ ، وما أنا إلا رسول منذر ، وما على الرسول إلا البلاغ .