قوله عز وجل{ ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى } اختلفوا في معناه . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي الأشوع عن الشعبي عن مسروق قال : قلت لعائشة فأين قوله : ( ثم دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ) . قالت : ذلك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل ، وإنه أتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته ، فسد الأفق .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا طلق بن غنام ، حدثنا زائدة عن الشيباني قال : سألت زراً عن قوله :{ فكان قاب قوسين أو أدنى } ، قال : أخبرنا عبد الله يعني ابن مسعود أن النبيً صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح . فمعنى الآية : ثم دنا جبريل بعد استوائه بالأفق أعلى من الأرض فتدلى فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان منه قاب قوسين أو أدنى ، وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة ، قيل : في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره : ثم تدلى فدنا ، لأن التدلي سبب الدنو . وقال آخرون : ثم دنا الرب عز وجل من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى ، فقرب منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى . وروينا في قصة المعراج عن شريك بن عبد الله عن أنس : ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى . وهذه رواية أبي سلمة عن ابن عباس ، والتدلي هو النزول إلى الشيء حتى يقرب منه . وقال مجاهد : دنا جبريل من ربه . وقال الضحاك : دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه فتدلى فأهوى للسجود ، فكان قاب قوسين أو أدنى . ومعنى قوله :{ قاب قوسين } أي : قدر قوسين ، والقاب والقيب والقاد والقيد : عبارة عن المقدار ، والقوس : ما يرمى به في قول مجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس ، فأخبر أنه كان بين جبريل وبين محمد عليهما السلام مقدار قوسين ، قال مجاهد : معناه حيث الوتر من القوس ، وهذا إشارة إلى توكد القصد . وأصله : أن الحليفين من العرب كانا إذا أرادا عقد الصفا والعهد خرجا بقوسيهما فألصقا بينهما ، يريدان بذلك أنهما مظاهران يحامي كل واحد منهما عن صاحبه . وقال عبد الله بن مسعود : ( قاب قوسين ) أي : قدر ذراعين ، وهو قول سعيد بن جبير وشقيق بن سلمة ، والقوس : الذراع يقاس بها كل شيء ، ( أو أدنى ) : بل أقرب .
وقوله : { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } أي : فاقترب جبريل إلى محمد لما هبط عليه إلى الأرض ، حتى كان بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أي : بقدرهما إذا مُدّا . قاله{[27576]} مجاهد ، وقتادة .
وقد قيل : إن المراد بذلك بُعدُ ما بين وتر القوس إلى كبدها .
وقوله : { أَوْ أَدْنَى } قد تقدم أن هذه الصيغة تستعمل في اللغة لإثبات المخبر عنه ونفي ما زاد عليه ، كقوله : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [ البقرة : 74 ] ، أي : ما هي بألين من الحجارة ، بل هي مثلها أو تزيد عليها في الشدة والقسوة . وكذا قوله : { يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } [ النساء : 77 ] ، وقوله : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] ، أي : ليسوا أقل منها بل هم مائة ألف حقيقة ، أو يزيدون عليها . فهذا تحقيق للمخبر به لا شك ولا تردد{[27577]} ، فإن هذا ممتنع هاهنا ، وهكذا هذه الآية : { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } .
وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني الذي صار بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم ، إنما هو جبريل ، عليه السلام ، هو قول أم المؤمنين عائشة ، وابن مسعود ، وأبي ذر ، وأبي هريرة ، كما سنورد أحاديثهم قريبا إن شاء الله . وروى مسلم في صحيحه ، عن ابن عباس أنه قال : " رأى محمد ربه بفؤاده مرتين " {[27578]} . فجعل هذه إحداهما . وجاء في حديث شريك بن أبي نمر ، عن أنس في حديث الإسراء : " ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى " ولهذا تكلم{[27579]} كثير من الناس في متن هذه الرواية ، وذكروا أشياء فيها من الغرابة ، فإن صح فهو محمول على وقت آخر وقصة أخرى ، لا أنها تفسير لهذه الآية ؛ فإن هذه كانت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض لا ليلة الإسراء ؛ ولهذا قال بعده : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } ، فهذه هي ليلة الإسراء والأولى كانت في الأرض .
وقد قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا سليمان الشيباني ، حدثنا زر بن حبيش قال : قال عبد الله بن مسعود في هذه الآية : { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت جبريل له ستمائة جناح " {[27580]} .
وقال ابن وهب : حدثنا ابن لَهِيعة ، عن أبي الأسود ، عن عُرْوَة ، عن عائشة قالت : كان أولَ شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه جبريل بأجياد ، ثم إنه خرج ليقضي حاجته فصرخ به جبريل : يا محمد ، يا محمد . فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينا وشمالا فلم ير شيئًا {[27581]} - ثلاثا - ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدى رجليه مع {[27582]} الأخرى على أفق السماء فقال : يا محمد ، جبريل ، جبريلُ - يُسكّنه - فهرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل في الناس ، فنظر فلم ير شيئًا ، ثم خرج من الناس ، ثم نظر فرآه ، فدخل في الناس فلم ير شيئًا ، ثم خرج فنظر فرآه ، فذلك قول الله عز وجل : { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى . [ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{[27583]} ] } إلى قوله : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } يعني جبريل إلى محمد ، { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } : ويقولون : القاب نصف الأصبع . وقال بعضهم : ذراعين كان بينهما .
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث ابن وهب {[27584]} . وفي حديث الزهري عن أبي سلمة ، عن جابر شاهد لهذا .
وروى البخاري عن طَلْق بن غنام ، عن زائدة ، عن الشيباني قال : سألت زرًّا عن قوله :
{ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } قال : حدثنا عبد الله أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح{[27585]} .
وقال ابن جرير : حدثني ابن بَزِيع البغدادي ، حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا {[27586]} رفرف ، قد ملأ ما بين السماء والأرض {[27587]} .
وقوله : فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى يقول : فكان جبرائيل من محمد صلى الله عليه وسلم على قدر قوسين ، أو أدنى من ذلك ، يعني : أو أقرب منه ، يقال : هو منه قاب قوسين ، وقِيب قوسين ، وقِيد قوسين ، وقادَ قوسين ، وقَدَى قوسين ، كل ذلك بمعنى : قدر قوسين . وقيل : إن معنى قوله : فَكانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أنه كان منه حيث الوتر من القوس . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : قابَ قَوْسَيْنِ قال : حيث الوتر من القوس .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ قال : قيدَ قوسين . وقال ذلك قتادة .
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن خَصِيف ، عن مجاهد فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ قال : قِيدَ ، أو قدرَ قوسين .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن عاصم ، عن زِرّ ، عن عبد الله فكان قاب قوسين أو أدنى : قال : دنا جبريل عليه السلام منه حتى كان قدر ذراع أو ذراعين .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عاصم ، عن أبي رزين قابَ قَوْسَيْنِ قال : ليست بهذه القوس ، ولكن قدر الذراعين أو أدنى والقاب : هو القيد .
واختلف أهل التأويل في المعنى بقوله : فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى فقال بعضهم : في ذلك ، بنحو الذي قلنا فيه .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا سليمان الشيبانيّ ، قال : حدثنا زِرّ بن حُبيش ، قال : قال عبد الله في هذه الاَية فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأيْتُ جِبْرِيلَ لَهُ سِتّ مِئَةِ جَناحٍ » .
حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري ، قال : حدثنا خالد عبد الله ، عن الشيباني ، عن زرّ ، عن ابن مسعود في قوله : فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى قال : رأى جبرائيل ستّ مئة جناح في صورته .
حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا قبيصة بن ليث الأسدي ، عن الشيباني ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود فَكان قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى قال : رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام له ستّ مئة جناح .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة قالت : كان أوّل شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه جبريل عليه السلام بأجياد ، ثم إنه خرج ليقضي حاجته ، فصرخ به جبريل : يا محمد فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينا وشمالاً ، فلم ير شيئا ثلاثا ثم خرج فرآه ، فدخل في الناس ، ثم خرج ، أو قال : ثم نظر «أنا أشكّ » ، فرآه ، فذلك قوله : وَالنّجْمِ إذَا هَوَى ما ضَل صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى . . . إلى قوله : فَتَدَلى جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان قابَ قَوْسَيْن أوْ أدْنى يقول : القاب : نصب الأصبع . وقال بعضهم : ذراعين كان بينهما .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الشيباني ، عن زرّ بن حُبَيش ، عن ابن مسعود ، فَكانَ قابَ قَوْسَيْن أوْ أدْنى قال : له ستّ مئة جناح ، يعني جبريل عليه السلام .
حدثنا إبراهيم بن سعيد ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، قال : حدثنا زكريا ، عن ابن أشوع ، عن عامر ، عن مسروق ، قال : قلت لعائشة : ما قوله : ثُمّ دَنَا فَتَدَلى فَكانَ قَابَ قَوْسَيْن أوْ أدْنى فَأَوْحَى إلى عَبْدِه ما أوْحَى فقالت : إنما ذاك جبريل ، كان يأتيه في صورة الرجال ، وإنه أتاه في هذه المرّة في صورته ، فسدّ أفق السماء .
وقال آخرون : بل الذي دنا فكان قاب قوسين أو أدنى : جبريل من ربه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَكانَ قَابَ قَوْسَيْن أوْ أدْنى قال الله من جبريل عليه السلام .
وقال آخرون : بل كان الذي كان قاب قوسين أو أدنى : محمد من ربه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن موسى بن عبيد الحميري ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : قلنا يا نبيّ الله : هل رأيت ربك ؟ قال : «لَمْ أرَهُ بِعَيْنِي ، ورأيتُهُ بفُؤَادِي مَرّتَيْن » ، ثُمّ : تَلا ثُمّ دَنى فَتَدَلّى .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر ، أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثيّ ، عن كثير ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمّا عُرِجَ بِي ، مَضَى جِبْرِيلُ حتى جاءَ الجَنّةَ ، قالَ : فَدَخَلْتُ فأُعْطِيتُ الكَوْثَرَ ، ثُمّ مَضَى حتى جاءَ السّدْرَةَ المُنْتَهَى ، فَدَنا رَبّكَ فَتَدَلّى ، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى ، فأَوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى » .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فكان} منه {قاب قوسين} يعني قدر ما بين طرفي القوس من قسي العرب {أو أدنى} يعني أدنى أو أقرب من ذلك. حدثنا عبد الله، قال: سمعت أبا العباس يقول: {قاب قوسين}، يعني قدر طول قوسين من قسي العرب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى "يقول: فكان جبرائيل من محمد صلى الله عليه وسلم على قدر قوسين، أو أدنى من ذلك، يعني: أو أقرب منه... وقيل: إن معنى قوله: "فَكانَ قَابَ قَوْسَيْنِ" أنه كان منه حيث الوتر من القوس... عن عبد الله "فكان قاب قوسين أو أدنى": قال: دنا جبريل عليه السلام منه حتى كان قدر ذراع أو ذراعين...
واختلف أهل التأويل في المعنى بقوله: "فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى"؛
فقال بعضهم: في ذلك، بنحو الذي قلنا فيه...
وقال آخرون: بل الذي دنا فكان قاب قوسين أو أدنى: جبريل من ربه...
وقال آخرون: بل كان الذي كان قاب قوسين أو أدنى: محمد من ربه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: القاب هو صدر القوس أي كان قدر صدر القوس من الوَتَر مرتين، وقال بعضهم: أي قدر قوسين حقيقة...
فتقول: أي الوجوه كان ففيه دليل أنه لم يكن جبرائيل عليه السلام يبعُد من رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث لا يحيط به لأن الشيء إذا بَعُد عن البصر يعرفه بالاجتهاد، ولا يدركه حقيقة، وكذلك إذا قرُب منه حتى إذا ماسّه، والتصق به، قصُر البصر عن إدراكه، وإذا كان بين البُعد والقُرب أحاط به، وأدركه، فيُخبر الله تعالى أنه أحاط به علما، وأدركه حقيقة، لا أن كانت معرفته إياه بطريق الاجتهاد، والله أعلم. وقوله تعالى: {أو أدنى} قال أهل التأويل: حرف أو حرف شكٍّ. وذلك غير محتمل من الله تعالى، ولكن معناه على الإيجاب، أي بل أدنى. وقال بعضهم: {أو أدنى} في اجتهادكم ووهمِكم، لو نظرتم إليهما لقُلتم: إنهما بالقُرب والدُّنوّ قدر قوسين أو أدنى...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
... والمقصود تمثيل ملكة الاتصال وتحقيق استماعه لما أوحي إليه بنفي البعد الملبس...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{أَوْ أَدْنَى} قد تقدم أن هذه الصيغة تستعمل في اللغة لإثبات المخبر عنه ونفي ما زاد عليه وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني الذي صار بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم، إنما هو جبريل، عليه السلام، هو قول أم المؤمنين عائشة، وابن مسعود، وأبي ذر، وأبي هريرة، كما سنورد أحاديثهم قريبا إن شاء الله. وروى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس أنه قال: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين". فجعل هذه إحداهما. وجاء في حديث شريك بن أبي نمر، عن أنس في حديث الإسراء: " ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى " ولهذا تكلم كثير من الناس في متن هذه الرواية، وذكروا أشياء فيها من الغرابة، فإن صح فهو محمول على وقت آخر وقصة أخرى، لا أنها تفسير لهذه الآية؛ فإن هذه كانت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض لا ليلة الإسراء؛ ولهذا قال بعده: {وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}، فهذه هي ليلة الإسراء والأولى كانت في الأرض. وروى البخاري عن طَلْق بن غنام، عن زائدة، عن الشيباني قال: سألت زرًّا عن قوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قال: حدثنا عبد الله أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وهذا يدل على كمال المباشرة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأنه لا واسطة بينه وبين جبريل عليه السلام.