ثم زاد تأكيداً بقوله { فكان قاب قوسين } قال أهل العربية . هو من باب حذف المضافات أي فكان مقدار مسافة قرب جبرائيل عليه السلام مثل " قاب قوسين " . والقاب والقيب والقاد والقيد والقيس كلها المقدار . والعرب تقدر الأشياء بالقوس والرمح والسوط والذراع والباع وغيرها . وفي الحديث " لا صلاة إلى أن ترتفع الشمس مقدار رمحين " وقال صلى الله عليه وسلم " لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع قده خير من الدنيا وما فيها " والقد السوط . وقوله { أو أدنى } أي في تقديركم كقوله { مائة ألف أو يزيدون } [ الصافات : 147 ] وقال بعضهم : الضمير في { فاستوى } لمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن تعليم جبرائيل إياه كان قبل كماله واستوائه ، فحين تكاملت قواه النظرية والعلمية وصار بالأفق الأعلى أي بالرتبة العليا من المراتب الإنسانية دنا من الأمة فتدلى أي لان لهم ورفق بهم حتى قال { إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ } [ الكهف :110 ] فكان الفرق بينه وبين جبرائيل قليلاً جداً . وعلى هذا يمكن أن يكون الرجحان في الكمال للنبي صلى الله عليه وسلم كما يقول أكثر أهل السنة ، أو بالعكس كما تزعم طائفة منهم ومن غيرهم ، ويحتمل على هذا القول أن يكون الضمير في { دنا } لجبريل والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن زال عن الصفات البشرية من الشهوة والغضب والجهل وبلغ الأفق الأعلى الإنساني ، ولكن نوعيته لم تزل عنه وكذلك جبرائيل .
وإن ترك اللطافة المانعة من الرؤية ونزل إلى الأفق الأدنى من الآفاق الملكية ولكن لم يخرج عن كونه ملكاً فلم يبقى بينهما إلا اختلاف حقيقتهما نظيره { ولقد رآه بالأفق المبين } [ التكوير :23 ] أي رأى جبرائيل وهو أي محمد بالأفق الفارق بين درجة الإنسان ومنزلة الملك كقول القائل : " رأيت الهلال على السطح " أي وأنا على السطح . وقد يجعل ذكر القوس عبارة عن معنى آخر هو أن العرب كانوا إذا عاهدوا فيما بينهم طرحوا قوساً أو قوسين لتأكيد العهد بين الاثنين ، فأخبر الله سبحانه أنه كان بين جبرائيل ومحمد عليه الصلاة والسلام من المحبة وقرب المنزلة مثل ما تعرفونه فيما بينكم عند المعاقدة . وقيل : الضمير لمحمد صلى الله عليه وسلم أو لله والمراد قرب المكان بينهما . وهذا يشبه مذهب المجسمة إلا أن يقال : دنا دنو ألفة ولا دنو زلفة . دنا دنو إكرام لا دنو أجسام ، دنا دنو أنس لا دنو نفس . والقوسان أحدهما صفة الحدوث والأخرى صفة القدم . أخبر بالقصة إكراماً وكتم الإسرار عظاماً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.