الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ} (9)

قوله : { فَكَانَ قَابَ } : ههنا مضافاتٌ محذوفاتٌ يُضْطَرُّ لتقديرِها أي : فكان مقدارُ مسافةِ قُرْبِه منه مثلَ مقدارِ مسافةِ قابٍ . وقد فَعَلَ أبو علي هذا في قولِ الشاعر :

4127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وقد جَعَلَتْني مِنْ حَزِيْمَةَ إصبعا

أي : ذا مقدارِ مسافةِ إصبع . والقابُ : القَدْرُ . تقول : هذا قابُ هذا أي : قَدْرُه . ومثلُه : القِيبُ والقادُ والقِيس قال الزمخشري : " وقد جاء التقديرُ بالقوس والرُّمْح والسَّوْط والذِّراع والباعِ والخُطْوة والشُّبر والفِتْر والإِصبع ، ومنه : لا صَلاةَ إلى أن ترتفعَ الشمسُ مِقدار رُمْحين . وفي الحديث : " لَقابُ قوس أحدِكم من الجنة وموضعُ قِدِّه خيرٌ من الدنيا وما فيها " ، والقِدُّ السَّوْط . وألفُ " قاب " عن واوٍ . نصَّ عليه أبو البقاء . وأمَّا " قِيْبٌ " فلا دَلالة فيه على كونِها ياءً ؛ لأنَّ الواوَ إذا انكسر ما قبلها قُلِبت ياءً كدِيْمة وقِيمة ، وذكره الراغب أيضاً في مادة " قوب " إلاَّ أنه قال في تفسيره : " هو ما بين المَقْبَضَ والسِّيَةِ من القوس " فعلى هذا يكون مقدارَ نصفِ القوس ؛ لأن المَقْبَضَ في نصفِه . والسِّيَةُ هي الفُرْضَة التي يُخَطُّ فيها الوَتَرُ . وفيما قاله نظرٌ لا يخفى . ويُرْوى عن مجاهد : أنه من الوَتَر إلى مَقْبَضِ القوس في وسَطه . وقيل : إنَّ القوسَ ذراعٌ يُقاس به ، نُقل ذلك عن ابن عباس وأنه لغةٌ للحجازيين .

والقَوْسُ معروفةٌ ، وهي مؤنثةٌ ، وشَذُّوا في تصغيرِها فقالوا : قُوَيْس من غيرِ تأنيثٍ كعُرَيْبٍ وحُرَيْبٍ ، ويُجْمع على قِسِيّ ، وهو مَقْلوب مِنْ قُوُوْس ، ولتصريفِه موضعٌ آخر . /

قوله : { أَوْ أَدْنَى } هي كقوله : { أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] لأنَّ المعنى : فكان بأحدِ هذين المقدارَيْنِ في رَأْيِ الرائي ، أي : لتقارُبِ ما بينهما يَشُكُّ الرائي في ذلك . وأَدْنى أفعلُ تفضيلٍ ، والمفضَّلُ عليه محذوفٌ أي : أو أدنى مِن قاب قوسين .