قوله تعالى : " فكان قاب قوسين أو أدنى " أي " كان " محمد من ربه أو من جبريل " قاب قوسين " أي قدر قوسين عربيتين . قال ابن عباس وعطاء والفراء . الزمخشري : فإن قلت كيف تقدير قوله : " فكان قاب قوسين " .
قلت : تقديره فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين ، فحذفت هذه المضافات كما قال أبوعلي في قوله{[14354]} :
وقد جعلتْنِي من حَزِيمَةَ إِصْبَعَا
أي ذا مقدار مسافة إصبع " أو أدنى " أي على تقدير كم ، كقوله تعالى : " أو يزيدون{[14355]} " [ الصافات : 147 ] . وفي الصحاح : وتقول بينهما قاب قوس ، وقيب قوس ، وقاد قوس ، وقيد قوس ، أي قدر قوس . وقرأ زيد بن علي " قاد " وقرئ " قيد " و " قدر " . ذكره الزمخشري . والقاب ما بين المقبض والسية . ولكل قوس قابان . وقال بعضهم في قوله تعالى : " قاب قوسين " أراد قابي قوس فقلبه . وفي الحديث : ( ولقاب قوس أحدكم من الجنة ، وموضع قَدِّه خير من الدنيا وما فيها ) والقد السوط . وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها ) . وإنما ضرب المثل بالقوس ، لأنها لا تختلف في القاب . والله أعلم . قال القاضي عياض : اعلم أن ما وقع من إضافة الدنو والقرب من الله أو إلى الله فليس بدنو مكان ولا قرب مدى ، وإنما دنو النبي صلى الله عليه وسلم من ربه وقربه منه : إبانة عظيم منزلته ، وتشريف رتبته ، وإشراق أنوار معرفته ، ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته . ومن الله تعالى له : مبرة وتأنيس وبسط وإكرام . ويتأول في قوله عليه السلام : ( ينزل ربنا إلى سماء الدنيا ) على أحد الوجوه : نزول إجمال وقبول وإحسان . قال القاضي : وقوله : " فكان قاب قوسين أو أدنى " فمن جعل الضمير عائدا إلى الله تعالى لا إلى جبريل كان عبارة عن نهاية القرب ، ولطف المحل ، وإيضاح المعرفة ، والإشراف على الحقيقة من محمد صلى الله عليه وسلم ، وعبارة عن إجابة الرغبة ، وقضاء المطالب ، وإظهار التحفي ، وإنافة المنزلة والقرب من الله ، ويتأول في قوله عليه السلام : ( من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ) قرب بالإجابة والقبول ، وإتيان بالإحسان وتعجيل المأمول . وقد قيل : " ثم دنا " جبريل من ربه " فكان قاب قوسين أو أدنى " قاله مجاهد . ويدل عليه ما روي في الحديث : ( إن أقرب الملائكة من الله جبريل عليه السلام ) . وقيل : ( أو ) بمعنى الواو أي قاب قوسين وأدنى . وقيل : بمعنى بل أي بل أدنى . وقال سعيد بن المسيب : القاب صدر القوس العربية ، حيث يشد عليه السير الذي يتنَكَّبُه صاحبه ، ولكل قوس قاب واحد . فأخبر أن جبريل قرب من محمد صلى الله عليه وسلم كقرب قاب قوسين . وقال سعيد بن جبير وعطاء وأبو إسحاق الهمداني وأبو وائل شقيق بن سلمة : ( فكان قاب قوسين ) أي قدر ذراعين ، والقوس الذراع يقاس بها كل شيء ، وهى لغة بعض الحجازيين . وقيل : هي لغة أزد شنوءة أيضا . وقال الكسائي : قوله : " فكان قاب قوسين أو أدنى " أراد قوسا واحدا ، كقول الشاعر :
ومَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنِ *** قَطَعْتُهُ بالسَّمْتِ لا بالسَّمْتَيْنِ{[14356]}
أراد مهمها واحدا . والقوس تذكر وتؤنث فمن أنث قال في تصغيرها قويسة ، ومن ذكَّر قال : قويس ، وفي المثل : هو من خير قويسٍ سهما . والجمع قسي قسي وأقواس وقياس ، وأنشد أبو عبيدة :
وَوَتَّرَ الأساورُ القِيَاسَا{[14357]}
والقوس أيضا بقية النّمْر في الجُلّة أي الوعاء . والقوس برج في السماء . فأما القوس بالضم فصومعة الراهب ، قال الشاعر وذكر امرأة :
لاسْتَفْتَنَتْنِي وذا المسْحَينِ في القُوسِ{[14358]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.