قوله : «فَكان قَابَ » ها هنا مضافان محذوفان يُضْطَرُّ لتقديرهما أي فكان مقدارُ مسافةِ قربه منه مقدارَ مسافةِ قَاب .
وقد فعل أبو علي هذا في قول الشاعر :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وَقَدْ جَعَلَتْنِي مِنْ خَزِيمَةَ{[53403]} إصْبَعَا{[53404]}
والقابُ القَدْرُ ؛ يقول : هذا قاب هذا أي قَدْرُهُ . ومثله القِيبُ والقَادُ والقِيدُ والقِيسُ . قال الزمخشري : وقد جاء التقدير بالقوْس والرّمح والسَّوْط والذّراع والباع والخُطْوة ، والشّبر ، والفَتْر ، والإصبع ومنه : «لاَ صَلاةَ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ مِقْدَارَ رُمْحَيْنِ » وفي الحديث : «مِقْدَارُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ وَمَوْضِع قِدِّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا » ، والقِدُّ السَّوْط{[53405]} . وألف «قاب » عن واو . نص عليه أبو البقاء . وأما قِيبٌ{[53406]} فلا دلالة فيه على كونها ياء لأن الواو إذا انكسر ما قبلها قلبت ياء كدِيمَةٍ وقِيمَةٍ .
وذكره الراغب أيضاً في مادة «قوب » إلا أنه قال في تفسيره : هو ما بين المِقْبض والسِّيَة{[53407]} من القَوس{[53408]} . فعلى هذا يكون مقدار نصف القوس ، لأن المقبض في نصفه والسّية{[53409]} هي العَرضة التي يحط فيها الوَتَر . وفيما قاله نظرٌ لا يخفى .
ويروى عن مجاهد أنه من الوتر إلى مقبض القوس في وسطه . وقيل : إن القوس ذراعٌ يقاس به . نُقل ذلك عن ابن عباس ( - رضي الله عنهما{[53410]} - ) وأنه لغة للحجازيين ( والشَّنُوئيّينَ ){[53411]} والقوس معروفةٌ{[53412]} وهي مؤنثة وشذوا في تصغيرها فقالوا : قُوَيْسٌ من غير تأنيث كعُرَيْبٍ وحُرَيْبٍ ويجمع على قِسِيٍّ . وهو مقلوب{[53413]} من قُوُوس{[53414]} .
والقَوْسُ برج في السماء{[53415]} ، فأما القُوسُ - بالضم - فصَوْمَعَةُ الرَّاهِبِ{[53416]} قال الشاعر :
لاسْتَفْتَنَتْنِي وَذَا المِسْحَيْنِ فِي القُوسِ{[53417]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قوله : «أَوْ أَدْنَى » هي كقوله : «أَوْ يَزِيدُونَ » ؛ لأن المعنى فكان يأخذ هذين المقدارين في رأي الرائي أي لتقارب ما بينهما يشك الرائي في ذلك .
و«أَدْنَى » أفعل تفضيل والمفضل عليه محذوف أي أو أَدْنَى مِنْ قَابِ قَوْسَيْنِ .
روى الشيبانيّ قال : سألت زِرًّا عن قوله تعالى : { قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى } قال : أخبرنا عبد الله يعني ابن مسعود أن محمداً رأى جبريل له ستمائة جَناح . فمعنى الآية : ثم دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فتدلى فنزل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فكان منه قابَ قَوْسَيْن أو أدنى{[53418]} بل أدنى ؛ وبهذا قال ابن عباس ، والحسنُ ، وقتادة . وقال آخرون : دَنَا الربُّ من محمد - صلى الله عليه وسلم - فتدلى فقرب منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى .
قال البغوي : وروينا في قصة المعراج عن شريك بن عبد الله عن أنس : ودنا الجبَّار ربُّ العزة فتدلى حتى كان قاب قوسي أن أدنى . وهذه رواية ابن سلمة عن ابن عباس .
وقال مجاهد : دنا جبريل من ربه . وقال الضحاك : دنا محمد من ربه . فتدلى فأهوى للسجود فكان منه قاب قوسين أو أدنى . وتقدم الكلام على القاب . والقوس ما يرمى به في قول مجاهد ، وعكرمة ، وعطاء عن ابن عباس فأخبر أنه كان بين جبريل وبين محمد - عليهما الصلاة والسلام - مقدارُ قَوْسَيْن . وقال مجاهد : معناه حيث الوتر من القوس وهذا إشارة إلى تأكيد القرب ، والأصل فيه أن الخَلِيفَتَيْن{[53419]} من العرب كانا إذا تعاقدا على الصفاء والعهد خرجا بقوسهما فألصقاهُ بينهما يريدان بذلك أنهما متظاهران يُحَامِي كل واحد منهما عن صاحبه . وقال عبد الله بن مسعود : قاب قوسين قَدْرَ ذراعين . وهو قول سعيدِ بنِ جبير ، وشقيقِ بنِ سلمة ، والقوس الذراع يقاس بها كل شيء «أو أدنى » بل أقْرَبُ{[53420]} .
وإنما ضرب المثل بالقوس لأنها لا تختلف بالقاب{[53421]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.