المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

2- هو الذي بدأ خلقكم من طين{[59]} ، ثم قدر لحياة كل منكم زمناً ينتهي بموته والأجل عنده - وحده - المحدد للبعث من القبور . ثم إنكم - أيها الكافرون - بعد هذا تجادلون في قدرة الله على البعث ، واستحقاقه - وحده - للعبادة .


[59]:تصلح هذه الآية لأن تكون المراد منها خلق آدم أبي البشر من طين كما جاء في آيات أخرى وأن يكون المراد منها أن جسم الإنسان مكون بنسب خاصة من عناصر الطين نفسه ولكن قدرة الخالق سبحانه وتعالى خلقت في هذه العناصر الحياة فصارت بشرا سويا.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

قوله تعالى : { هو الذي خلقكم من طين } ، يعني آدم عليه السلام : خاطبهم به إذ كانوا من ولده ، قال السدي : بعث الله تعالى جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطائفة منها ، فقالت الأرض : إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني ، فرجع جبريل ولم يأخذ ، وقال : يا رب : إنها عاذت بك ، فبعث ميكائيل ، فاستعاذت فرجع ، فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله ، فقال : وأنا أعوذ بالله أن أخالف أمره ، فأخذ من وجه الأرض ، فخلط الحمراء ، والسوداء ، والبيضاء ، فلذلك اختلفت ألوان بني آدم ، ثم عجنها بالماء العذب ، والملح ، والمر ، كذا اختلفت أخلاقهم ، فقال الله تعالى لملك الموت : رحم جبريل ، وميكائيل ، الأرض . ولم ترحمها ، لا جرم ، أخرج أرواح من أخلق من هذا الطين بيدك . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خلق الله آدم عليه السلام من تراب ، وجعله طيناً ، ثم تركه حتى كان حماً مسنوناً ، ثم خلقه وصوره وتركه ، حتى كان صلصالاً كالفخار ، ثم نفخ فيه روحه .

قوله تعالى : { ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده } ، قال الحسن ، وقتادة ، والضحاك : الأجل الأول من الولادة إلى الموت ، والآجل الثاني من الموت إلى البعث ، وهو البرزخ . وروي ذلك عن ابن عباس ، وقال : لكل أحد أجلان ، أجل من الولادة إلى الموت ، وأجل من الموت إلى البعث ، فإن كان براً تقياً ، وصولاً للرحم ، زيد له من أجل البعث ، في أجل العمر . وإن كان فاجراً قاطعاً للرحم ، نقص من أجل العمر ، وزيد في أجل البعث ، وقال مجاهد وسعيد بن جبير : الأجل الأول أجل الدنيا ، والأجل الثاني أجل الآخرة ، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : { ثم قضى أجلاً } يعني : النوم ، تقبض فيه الروح ثم ترجع عند اليقظة . { وأجل مسمى عنده } ، هو أجل الموت ، وقيل : هما واحد معناه :ثم قضى أجلا يعني : جعل لأعماركم مدة تنتهون إليها ، { وأجل مسمى عنده } يعني : وهو أجل مسمىً عنده ، لا يعلمه غيره .

قوله تعالى : { ثم أنتم تمترون } ، تشكون في البعث .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

واللمسة الثانية :

( هو الذي خلقكم من طين ، ثم قضى أجلا ، وأجل مسمى عنده ، ثم أنتم تمترون ) :

إنها لمسة الوجود الإنساني ، التالي في وجوده للوجود الكوني . ولظاهرتي الظلمات والنور . لمسة الحياة الإنسانية في هذا الكون الخامد . لمسة النقلة العجيبة من عتمة الطين المظلم إلى نور الحياة البهيج ؛ تتناسق تناسقا فنيا جميلا مع " الظلمات والنور " . . وإلى جانبها لمسة أخرى متداخلة : لمسة الأجل الأول المقضى للموت ، والأجل الثاني المسمى للبعث . . لمستان متقابلتان في الهمود والحركة كتقابل الطين الهامد والخلق الحي في النشأة . .

وبين كل متقابلين مسافة هائلة في الكنه والزمن . . وكان من شأن هذا كله أن ينقل إلى القلب البشري اليقين بتدبير الله ، واليقين بلقائه . ولكن المخاطبين بالسورة يشكون في هذا ولا يستيقنون :

( ثم أنتم تمترون ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمّ قَضَىَ أَجَلاً وَأَجَلٌ مّسمّى عِندَهُ ثُمّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } . .

يعني تعالى ذكره بقوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ أن الله الذي خلق السموات والأرض ، وأظلم ليلهما وأنار نهارهم ، فكفر به مع إنعامه عليهم الكافرون ، وعدلوا به من لا ينفعهم ولا يضرّهم . هو الذي خلقكم أيها الناس من طين وإنما يعني بذلك تعالى ذكره أن الناس وَلَدُ مَن خَلَقه من طين ، فأخرج ذلك مخرج الخطاب لهم ، إذ كانوا وَلَدَه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ بدء الخلق خلق الله آدم من طين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ قال : هو آدم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما خَلَقكم من طين : فآدم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : خلق آدم من طين ، وخلق الناس من سلالة من ماء مهين .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ قال : خلق آدم من طين ، ثم خلقنا من آدم حين أخذنا من ظهره .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى قوله : ثُمّ قَضَى أجَلاً : ثم قضى لكم أيها الناس أجلاً ، وذلك ما بين أن يُخلق إلى أن يموت وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ وذلك ما بين أن يموت إلى أن يبعث . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، وهناد بن السريّ ، قالا : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي بكر الهذليّ ، عن الحسن ، في قوله : قَضَى أجَلاً قال : ما بين أن يخلق إلى أن يموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : ما بين أن يموت إلى أن يبعث .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ كان يقول : أجلَ حياتك إلى أن تموت وأجَل موتك إلى أن تبعث ، فأنت بين أجلين من الله تعالى .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم : قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : قضى أجل الموت ، وكلّ نفس أجلها الموت . قال : وَلَنْ يُؤَخّرَ اللّهُ نَفْسا إذَا جَاءَ أجَلُها . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يعني : أجل الساعة ذهاب الدنيا والإفضاء إلى الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم قضى الدنيا وعنده الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله : أجَلاً قال : الدنيا . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ الاَخرة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن زكريا بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قَضَى أجَلاً قال : الاَخرة عنده . وأجَلٌ مُسَمّى الدنيا .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أجَلاً قال : الاَخرة عنده . وأجَلٌ مُسَمّى قال : الدنيا .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أجَلاً قال : الاَخرة عنده . وأجَلٌ مُسَمّى قال : الدنيا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قالا : قضى أجل الدنيا من حين خلقك إلى أن تموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يوم القيامة .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : قضى أجل الدنيا . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : هو أجل البعث .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة : ثُمّ قَضَى أجَلاً قال : الموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ الاَخرة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن ، في قوله : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قالا : قضى أجل الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تموت ، وأجل مسمى عنده يوم القيامة .

حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : قَضَى أجَلاً قال : أجل الدنيا . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : البعث .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن طلحة ، عن ابن عباس : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يعني : أجل الموت . والأجل المسمى : أجل الساعة ، الوقوف عند الله .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ قَضَى أجَلاً قال : أما قضى أجلاً : فأجل الموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يوم القيامة .

وقال آخرون في ذلك بما :

حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ثُمّ قَضَي أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : أما قوله : قَضَي أجَلاً فهو النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع إلى صاحبها حين اليقظة . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ : هو أجل موت الإنسان .

وقال آخرون بما :

حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، في قوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ ثُمّ أنْتُمْ تَمْتَرُونَ قال : خلق آدم من طين ، ثم خلقنا من آدم ، أخذنا من ظهره ، ثم أخذ الأجل والميثاق في أجل واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معناه : ثم قضى أجل هذه الحياة الدنيا ، وأَجَلٌ مُسَمّى عّهْدَهُ وهو أجل البعث عنده .

وإنما قيل ذلك أولى بالصواب ، لأنه تعالى نبه خلقه على موضع حجته عليهم من أنفسهم ، فقال لهم : أيها الناس ، إن الذي يعدل به كفاركم الاَلهة والأنداد هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين ، فجعلكم صورا أجساما أحياء بعد إذ كنتم طينا جمادا ، ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم ، ليعيدكم ترابا وطينا كالذي كنتم قبل أن ينشأكم ويخلقكم . وأَجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ لإعادتكم أحياء وأجساما كالذي كنتم قبل مماتكم . وذلك نظير قوله : كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللّهِ وكُنْتُمْ أمْوات فأحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيْتُكُمْ ثُمّ يُحُيِيكُمْ ثُمّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ أنْتُمْ تَمْتُرُونَ .

يقول تعالى ذكره : ثم أنتم تشكون في قدرة من قدر على خلق السموات والأرض ، وإظلام الليل وإنارة النهار ، وخلقكم من طين حتى صيركم بالهيئة التي أنتم بها على إنشائه إياكم من بعد مماتكم وفنائكم ، وإيجاده إياكم بعد عدمكم . والمرية في كلام العرب هي الشكّ ، وقد بينت ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته . وقد :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ثُمّ أنْتُمْ تَمْتَرُونَ قال : الشكّ . قال : وقرأ قول الله : فِي مِرْيَةٍ منْهُ قال : في شكّ منه .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ثُمّ أنْتُمْ تَمْتَرُونَ بمثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

{ هو الذي خلقكم من طين } أي ابتدأ خلقكم منه ، فإنه المادة الأولى وأن آدم الذي هو أصل البشر خلق منه ، أو خلق أباكم فحذف المضاف . { ثم قضى أجلا } أجل الموت . { وأجل مسمى عنده } أجل القيامة . وقيل الأول ما بين الخلق والموت ، { والثاني ما بين الموت والبعث ، فإن الأجل كما يطلق لآخر المدة يطلق لجملتها . وقيل الأول النوم والثاني الموت . وقيل الأول لمن مضى والثاني لمن بقي ولمن يأتي ، وأجل نكرة خصصت بالصفة ولذلك استغني عن تقديم الخبر والاستئناف به لتعظيمه ولذلك نكر ووصف بأنه مسمى أي مثبت معين لا يقبل التغيير ، وأخبر عنه بأنه عند الله لا مدخل لغيره فيه يعلم ولا قدرة ولأنه المقصود بيانه . { ثم أنتم تمترون } استبعاد لامترائهم بعد ما ثبت أنه خالقهم وخالق أصولهم ومحييهم إلى آجالهم ، فإن من قدر على خلق المواد وجمعها وإيداع الحياة فيها وإبقائها ما يشاء كان أقدر على جمع تلك المواد وإحيائها ثانيا ، فالآية الأولى دليل التوحيد والثانية دليل البعث ، والامتراء الشك وأصله المري وهو استخراج اللبن من الضرع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم . . المعنى خلق آدم من طين والبشر من آدم فلذلك قال : { خلقكم من طين } وحكى المهدوي عن فرقة أنها قالت بل المعنى أن النطفة التي يخلق منها الإنسان أصلها من طين ثم يقلبها الله نطفة ، وذكره مكي والزهراوي ، والقول الأول أليق بالشريعة لأن القول الثاني إنما يترتب على قول من يقول بأن الطين يرجع بعد التولد والاستحالات الكثيرة نطفة ، وذلك مردود عند الأصوليين ، واختلف المفسرون في هذين الأجلين ، فقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة والضحاك ، { أجلاً } أجل الإنسان من لدن ولادته إلى موته ، والأجل المسمى عنده من وقت موته إلى حشره ، ووصفه بمسمى عنده لأنه استأثر بعلم وقت القيامة ، وقال ابن عباس : { أجلاً } ، الدنيا ، { أجل مسمى } الآخرة ، وقال مجاهد : { أجلاً } الآخرة ، { وأجل مسمى } ، الدنيا بعكس الذي قبله ، وقال ابن عباس أيضاً : { أجلاً } ، وفاة الإنسان بالنوم ، { وأجل مسمى } وفاته بالموت وقال ابن زيد ، الأجل الأول هو في وقت أخذ الميثاق على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم ، وبقي «أجل » واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا ، وحكى المهدوي عن فرقة { أجلاً } ، ما عرف الناس من آجال الأهلة والسنين والكوائن ، { وأجل مسمى } قيام الساعة ، وحكي أيضاً عن فرقة { أجلاً } مسمى{[4819]} : ما عرفناه من أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، { وأجل مسمى } الآخرة .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وينبغي أن تتأمل لفظة { قضى } في هذه الآية فإنها تحتمل معنيين ، فإن جعلت بمعنى قدر وكتب ورجعت إلى سابق علمه وقدره فيقول إن ذلك ولا بد قبل خلقه آدم من طين ، وتخرج ثم من معهودها في ترتيب زمَنْي وقوع القصتين ويبقى لها ترتيب زمَني الإخبار عنه ، كأنه قال : أخبركم أنه خلقكم من طين ثم أخبركم أنه قضى أجلاً ، وإن جعلت { قضى } بمعنى أوجد وأظهر ويرجع ذلك إلى صفة فعل فيصح أن يكون خلق آدم من طين قبل إظهار هذا الأجل وإبدائه ، وتكون [ ثم ] على بابها في ترتيب زمَنْي وقوع القضيتين . و { تمترون } معناه : تشكون ، والمرية : الشك{[4820]} .

وقوله : { ثم أنتم } على نحو قوله : { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } في التوبيخ على سوء الفعل بعد مهلة من وضوح الحجج .


[4819]:-هكذا بالنسخ التي بين أيدينا- ولفظة [مسمى] ليس لها موضع هنا لعلها من زيادة النساخ، وكلمة [مسمى] معناها: معلوم، و[عنده] يعني مذكور في اللوح المحفوظ، أو هي مجاز عن علمه ولا يراد المكان.
[4820]:- من التماري على مذهب الشك قوله تعالى: {أفتمارونه على ما يرى}.