اعلم أنَّ هذا الكلام يحتمل أن يكون المراد منه ذكر دليل آخر من دلائل إثبات الصانع سبحانه وتعالى ، ويحتمل أن يكون المراد منه ذكرُ الدليل على صحة المعاد وصحة الحَشْرِ .
أمَّا الأول فتقريره : أنَّهُ -تعالى- لمَّا اسْتَدَلَّ بِخَلْقِهِ السماوات وتَعَاقُبِ الظُّلماتِ والنُّور على وجود الصَّانع الحكيم أتْبَعَهُ بالاسْتِدلالِ بخلقه الإنسان على إثبات هذا المَطْلُوب ، فقال : " هُو الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ " ، والمراد منه خلق آدم [ لأن آدَمَ خلق ]{[13096]} من طِينٍ ، وهو أبو البَشَرِ ، ويُحتملُ أنَّ [ يكون ]{[13097]} المراد كَوْنَ الإنسان مَخْلُوقاً من المَنيِّ ، ومن دَمِ الطَّمْثِ ، وهما يَتَولدَانِ من الدَّمِ ، والدَّمُ إنَّما يَتَولَّدُ من الأغْذِية [ والأغذية ]{[13098]} إمَّا حيوانية أو نَبَاتيَّة ، فإن كانت حَيوانِيَّة كان الحالُ في [ كيفية ]{[13099]} تولُّد ذلك [ الحيوان كالحال في كيفية تَوَلُّدِ الإنسان مخلوفاً من الأغذية النباتية ، ولا شك أنها متولّدة من الطين ، فثبت أن كل إنسان متولد من الطين .
إذا عرفت هذا فنقول : هذا الطِّينُ قد تَوَلّدت النُّطفة منه بهذا الطريق المذكور .
ثم تولّد من النُّطفَة أنواع الأعضاء المختلفة في الصِّفة ، والصورة ، واللون ، والشكل ]{[13100]} مثل القلب والدِّماغ والكبد ، وأنواع الأعضاء البسيطةِ كالعظام والغَضارِيفِ والرِّبَاطَاتِ والأوتار تولد الصفات المختلفة في المادة المُتَشَابِهَةِ ، وذلك لا يمكنُ إلاَّ بتقْدير مُقدِّرٍ حكيمٍ .
وإن قلنا : المقصود من هذا الكلام تقرير أمر المعاد ، فلأن خَلْقَ بَدَنِ الإنسان وترتيبه على هذه الصفات المختلفة إنَّما حَصَل بقُدْرَةِ فاعل حكيم ، وتلك الحكمة والقدرة{[13101]} باقيةٌ بعد موت الحَيَوانِ ، فيكون قادراً على إعَادتِهَا وإعَادَةِ الحياة فيها ؛ لأنَّ القادِرَ على إيجادها من العَدَم قادرٌ على إعَادَتِهَا بطريق الأوْلَى{[13102]} .
قوله{[13103]} : " مِنْ طينٍ " فيه وَجْهَان :
أظهرهما : أنه متعلّق ب " خَلَقَكُمْ " ، و " مِنْ " لابتداء الغَايَةِ .
والثاني : أنه متعلِّقٌ بمحذوف على أنه حَالٌ ، وهل يحتَاج في هذا الكلام إلى حذف مضاف أم لا ؟ فيه خلاف .
ذهب [ جماعة ]{[13104]} كالمهدويِّ ومكي ، إلى أنه لا حَذْفَ ، وأنَّ الإنسان مَخْلُوقٌ من الطين .
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مَولُودٍ يُولَدُ إلاَّ ويُذَّرُ على النُّطْفَةِ مِنْ تُرَابِ حُفْرَتِهِ " {[13105]} .
وقيل : إنَّ النُّطْفَةَ أصْلُهَا الطِّينُ كما تقدَّم .
وقال أكْثرُ المُفَسِّرينَ : ثَمَّ محذوفٌ ، أي : خَلَقَ أصْلكم أو أباكم من طينٍ ، يعنون آدم وقصَّتُهُ مشهورة .
إلَى عِرْقِ الثَّرَى رَسَخَتْ عُرُوقِي *** وهَذَا المَوْتُ يَسْلُبُنِي شَبَابِي{[13106]}
قالوا : أراد بعِرْقِ الثَّرى آدم عليه الصلاة والسلام لأنَّه أصلُه .
فصل في بيان معنى " خلقكم من طين "
قوله : { خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ } [ يعني أباكم ]{[13107]} آدم خاطبهم به ، إذ كانوا من ولدِهِ .
قال السُّديُّ{[13108]} : بَعَثَ اللهُ جِبْرِيلَ إلى الأرض لِيأتِيَهُ بطَائفةٍ منها ، فقالت الأرْضُ : إنِّي أعُوذُ باللَّهِ منك أنْ تنقض مني ، فرجع جبريل ، ولم يأخذ ، قال يَا رَبِّ : إنَّها عَاذَتْ بِكَ ، فبعث مِيكَائيل فاسْتَعَاذَتْ ، فرجع ، فبعث ملك الموت ، فَعَاذَتْ منه باللَّهِ ، فقال : وأنا أعوذُ بالله أن أخالف أمره فأخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء فلذلك اختلف ألوان بني آدم ، ثُمَّ عَجَنَهَا بالماء العَذْبِ والمِلْح والمُرّ ، فلذلك اختلفت أخلاقهم ، فقال اللَّهُ لِمَلكِ الموت : " رحم جبريل وميكائيلُ الأرْضَ ، ولم ترحمهما لا جَرَمَ أجعل أرواح من خُلِقَ من هذا الطِّين بَيَدِكَ " .
وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : " خَلَق اللهُ آدَمَ مَنْ تُرَابٍ ، وجَعَلَهُ طِيناً ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى كان حَمَأ مَسْنُوناً ، ثُمَّ خَلَقَهُ وصوَّرَهُ وتركه حتَّى كان صَلْصَالاً كالفخَّارِ ، ثُمَّ نفخَ فيه رُوحَهُ " {[13109]}
قال القرطبي{[13110]} : عن سعيد بن جُبَيْرٍ قال : " خَلَقَ اللِّهُ آدَمَ من{[13111]} أرضٍ يقالُ لها دَجْناء " .
قال الحسن{[13112]} : " وخَلقَ جُؤجُؤهُ من ضَرِيَّة "
قال الجوهري{[13113]} : " ضَرِيَّة " قرية لبني كِلابٍ على طريق " البصرة " ، وهي إلى " مَكَّةَ " أقربُ .
وعن ابن مسعود قال : إنَّ الله بعث إبليس ، فأخَذَ من أديم{[13114]} الأرْضِ عَذْبِها وملحها ، فخلقَ منه آدم عليه الصلاة والسلام فكلُّ شيء خلقه من عَذْبها ، فهو صائرٌ إلى الجَنَّةِ ، وإن كان ابن كافر ، وكُلُّ شيء خَلَقَهُ من ملحها فهو صائرٌ إلى النَّارِ وإنْ كان ابن تَقِي ؛ فَمِنْ ثمَّ قال إبليسُ : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } [ الإسراء : 61 ] ؛ لأنَّه جاء بالطينة ؛ فسمي آدم ، لأنه خُلِقَ من أديم الأرض .
وعن عبد الله بن سلام قال : خلق الله آدم في آخر يوم الجمعة{[13115]} .
وعن عبد الله بن عباس قال : " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَم كان رأسُه يَمَسّ السماءِ - قال - فوطده إلى الأرض حتَّى صار ستِّينَ ذِرَاعاً في سَبْعَةِ أذْرُعٍ عَرْضاً " .
وعن ابن عباس{[13116]} - رضي الله عنهما - في حديث فيه طول : وحَجَّ آدمُ - عليه السلام - من " الهِنْدِ " أربعين حجَّةُ على رِجْلَيْهِ ، وكان آدمُ حين أُهبط تمسح رأسه السَّمَاء فمن ثَمَّ صَلِعَ ، وأوْرثَ ولَدُهُ الصَّلعَ ، ونفَرَت من طوله دواب الأرض ، فصارت وحشاً من يومئذٍ ، ولَمْ يَمُتْ حتىَّ بلغ ولده وولدُ ولدِه أربعين ألفاً وتوفي على ثور{[13117]} الجَبَلِ الذي أنزل ؛ فقال شيث لجبريل : " صَلِّ عَلَى آدَمَ " فقال له جبريلُ : تقدَّم أنْتَ فصلِّ على أبيك كبر عليه ثلاثين تكبيرة ، فأما خمس فهي الصلاة ، وخمس وعشرون تفضيلاً لآدم .
وقيل : وكبِّرْ عليه أربعاً ، فجعل بنو شيث آدم{[13118]} في مَغَارةٍ ، وجَعَلوا عليها حافظاً لا يَقْرَبُهُ أحدٌ من بني قابيل ، وكان الذين يأتونه ويَسْتَغْفِرُون له " بنو شيث " وكان عُمْرُ آدم تسعمائة سنة وستاً وثلاثين سنةً .
قوله : " ثُمَّ قَضَى " إذا كان " قَضَى " بمعنى أظهر ف " ثُمَّ " للترتيبِ الزماني على أصلها ؛ لأنَّ ذلك متأخِرٌ عن خَلْقِنا ، وهي صفة فعل ، وإن كان بمعنى " كَتَب " و " قََدَّر " فهي للترتيب في الذِّكرِ ؛ لأنَّها صِفَةُ ذاتٍ ، وذلك مُقدَّمٌ على خَلْقِنا{[13119]} .
قوله : { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } مبتدأ وخبر ، وسوَّغَ الابتداء هنا شيئان :
أحدهما : وَصْفُهُ ، كقوله : { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ } [ البقرة : 221 ] .
والثاني : عَطْفُهُ ب " ثمَّ " والعطفُ من المُسَوِّغَاتِ .
عِنْدِي اصْطِبَارٌ وشَكْوَى عِنْدَ قَاتِلَتِي *** فَهَلْ بأعْجَبَ مِنْ هَذَا امْرُؤٌ سَمِعَا ؟{[13120]}
والتنكير في الأجلين للإبهام ، وهنا مُسَوَّغُ آخر ، وهو التفصيل كقوله : [ الطويل ]
إذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَه *** بِشِقٍّ وَشِقٌ عِنْدَنَا لَمْ يُحَوَّلِ{[13121]}
ولم يَجِبْ هُنا تقديمُ الخبر إن كان المبتدأ نكرةً ، والخبرُ ظرفاً ، قال الزمخشري{[13122]} :
" لأنَّه تخصَّصَ بالصفة فقاربَ{[13123]} المعرفة " .
قال أبو حيَّان{[13124]} : " وهذا الذي ذَكَر من كَوْنِهِ مُسَوِّغاً للابتداء بالنكرة لكونها وُصِفَتْ لا تتعيَّنُ ، لجواز أنْ يكونَ المُسَوِّغُ التفصيلَ " ثُمَّ أنشد البيت :
إذَا مَا بَكَى . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . . . . . . . . . . . {[13125]}
قال شهابُ الدين{[13126]} : والزمخشري لم يَقُلْ : إنَّهُ تعيَّن ذلك حتَّى يُلْزِمَهُ به ، وإنَّما ذكر أشْهَرَ المسوِّغات فإنَّ العطف والتفصيل قَلَّ مَنْ يذكرُهما في المسوِّغات .
قال الزمخشري{[13127]} : " فإنْ قُلت : الكلامُ السَّائِرُ أن يُقال : " عندي ثَوْبٌ جيِّدٌ ، ولي عبدٌ كَيِّسٌ " فما أوجب التقديم ؟ .
قلت : أوجبه أنَّ المعنى : وأيُّ أجَلٍ مسمى عنده ، تعظيماً لشأن الساعة ، فلمَّا جرى فيها هذا المعنى أوجب التقديم " .
قال أبو حيان{[13128]} : وهذا لا يجوز ؛ لأنه إذا كان التقدير : وأيُّ أجلٍ مسمى عنده كانت " أي " صفة لموصوف محذوف تقديره : وأجل أي أجل مسمى عنده ولا يجوز حذفُ الصفةِ إذا كانت " أيّا " ولا حَذْفُ موصوفها وإبقاؤها .
لو قلت : " مررتُ بأيِّ رجل " تريدُ برجلٍ أيِّ رجل لم يَجُزْ .
قال شهاب الدين{[13129]} : ولم أدْرِ كيف يؤاخَدُ من فَسَّر معنًى بلفظٍ لم يَدَّع أن ذلك اللَّفْظَ هُوَ أصْلُ كلام المفسر ، بل قال : معناه كيت وكيت ؟ فكيف يلزمه أنْ يكَون ذلك الكلام الذي فَسَّر به هو أصْل ذلك المُفَسَّر ؟ على أنَّه قَدْ وَرَدَ حَذْفُ موصوف " أيّ " وإبقاؤها كقوله : [ المتقارب ]
إذا حَارَبَ الحَجَّاجُ أيَّ مُنَافِقٍ *** عَلاَهُ بِسَيفٍ كُلَّمَا هَزَّ يَقْطَعُ{[13130]}
قوله : " ثُمَّ أنْتُم تَمْتَرُونَ " قد تقدَّم الكلامُ على " ثُمَّ " هذه . و " تمترون " تَفْتَعُون من المِرْيَةِ ، وتقدَّم معناها في " البقرةِ " عند قوله : { مِنَ الْمُمْتَرِين } [ البقرة :147 ] .
وجعل أبو حيَّان{[13131]} هذا من باب الالْتِفَاتِ ، أعني قوله : " خَلَقكُمْ ثُمَّ أنْتُم تَمْتَرُون " ، يعني أنَّ قوله : " ثُمَّ الذين كفروا " غائبٌ ، فالْتَفَتَ عنه إلى قوله : " خَلَقَكُمْ ثُمَّ أنْتُم " ثُمَّ كأنَّه اعترض على نفسه بأنَّ خَلْقَكم وقضاءَ الأجلِ لا يَخْتَصُّ به الكُفَّار ، بل المؤمنون مِثْلُهم في ذلك .
وأجاب بأنَّه إنَّما قَصَدَ الكُفَّار تَنْبِيهاً لهم على خَلْقِهِ لهم وقُدرَتِهِ وقضائه لآجالهم .
قال : " وإنِّما جَعَلْتُه من الالتِفَاتِ ؛ لأن هذا الخطابَ ، وهو " ثُمَّ أنْتُم تَمْتَرُونَ " لا يُمكِن أنْ يَنْدَرجَ فيه مَن اصْطَفاَهُ الله تعالى بالنبوَّة والإيمان " وأجَلٌ مسمَّى " مُسَمَّو ؛ لأنه من مادة الاسم ، وقد تقدَّم ذلك{[13132]} ، فقُلبت الواوُ ياءً ، ثم الياء ألفاً " .
وتمترون أصله{[13133]} " تَمْتَرِيُون " فَأعِلَّ كنَظَائِرِه .
والقضاء قد يَرِدُ بمعنى الحكم ، والأمر قال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ } [ الإسراء : 23 ] وبمعنى [ الخبر والإعلام ، قال تعالى : { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ } [ الإسراء : 4 ] وبمعنى صفة الفعل إذا تَمَّ ، قال تعالى : ]{[13134]} { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات } [ فصلت :12 ] ومنه قولهم : " قضى فلان حاجةَ فلانٍ " .
وأمَّا الأجَلُ فهو في اللُّغَةِ عبارةٌ عن الوَقْتِ المضروب لانقضاء المُدَّةِ ، وأجَلُ الإنسان هو المؤقت المضروب ؛ لانقضاء عُمْرِهِ .
وأجَلُ الدَّيْنِ : مَحلُّهُ لانْقِضَاءِ التأخير فيه ، وأصْلُهُ من التَّأخيرِ يُقال : أجلَ الشَّيء يَأجَلُ أجُولاً وهو آجلٌ إذا تأخَّرَ ، والآجلُ نقيض العَاجِلِ ، وإذا عُرِفَ هذا فقوله : " ثُمَّ قَضَى أجَلاً " معناه : أنَّهُ -تعالى- خَصَّصَ موت كُلَّ واحَد بوقتٍ مُعَيَّنٍ ، " وأجلٌ مُسَمَّى عِنْدهُ " قال الحَسَنُ : وقتادة ، والضحَّاكُ : الأجَلُ الأوّل من الولادَةِ إلى الموت . والأجَلُ الثاني : مِنَ الموتِ إلى البَعْثِ ، وهو البَرْزَخُ{[13135]} وروي عن ابن عبَّاسٍ ، وقال : لِكُلِّ أحَدٍ أجلان أجل من الولادة إلى الموت أدنى ، وأجَلٌ من الموتِ إلى البعثِ ، فإنْ كَانَ بَرّاً تقياً وصولاً للرَّحمِ زيد له من أجل البعث في أجل العُمر ، فإن كان بالعكس قاطِعاً للرّحمِ نُقِصَ من أجَل العُمر وزيد في أجَلِ البَعْثِ مخافة{[13136]} .
[ وقال مجاهد ]{[13137]} وسعيد بن جُبَيْرٍ : الأجَلُ الأوَّلُ أجَلُ الدنيا ، والثَّاني أجَلُ الآخرة{[13138]} .
وقال عطيةُ عن ابن عبَّاس : الأجَلُ الأوَّل : النَّوم ، والثاني : الموتُ{[13139]} . وقال أبو مُسْلِمٍ : المرادُ بالأجَلِ الأوَّلِ : آجال الماضين من الخَلْقِ وقوله : { وَأَجَلٌ مُسمًّى عِندَهُ } : المرادُ منه آجَالُ الباقين ، فخصَّ هذا الأجل الثاني ، بكونه مُسَمًّى عِندهُ ؛ لأن الماضين لما ماتوا صارت آجالهُمْ معلومة ، فلهذا المعنى قال : " وأجل مسمى عنده " وقيل : الأجَلُ الأوَّلُ : الموت ، والأجَلُ المُسَمَّى عِنْدَ الله تعالى هو أجَلُ القيامة{[13140]} لأن مُدَّة حياتهم{[13141]} في الآخرة ، لا آخِرَ لها ولا انْقِضَاءَ ، ولا يَعْلَمُ أحد{[13142]} كيفية الحالِ في هذا الأجَلِ إلاَّ الله تعالى .
وقيل : الأجَلُ الأوَّلُ مقدار ما يُقضى{[13143]} من عمر كُلّ واحدٍ ، والثاني : مقدارُ ما بَقِيَ من عمر كُلِّ أحدٍ{[13144]} .
وقيل : هما وَاحِدٌ - يعني " جعل لأعماركم مُدَّة تنتهون{[13145]} إليها " {[13146]} .
وقوله : " وأجَلٌ مُسَمًّى عنده " يعني : وهو أجلٌ مُسَمًّى عنده لا يعلمه غيره . قال حكماءُ الإسلامِ{[13147]} : إنَّ لكل إنسان أجَلَيْنِ :
والثاني : الآجالُ الاخْتِرامِيَّةُ ، فالطَّبيعيُّ هو الذي لو بَقِيَ ذلك المِزَاجُ مَصُوناً من العوَارض الخارجية ، لانْتَهَتْ مدّةُ بَقَائِه إلى الأوْقَات الفلانية ، وأمَّا الآجال الاخترامية فهي التي تحصلُ بسبب من الأسباب الخارجية كالغَرَقِ ، والحَرْقِ ، ولَدْغِ الحشرات وغيرها من الأمور المُعْضِلَةِ .
وقوله : { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } أي : تشكُّون في البَعْثِ .
وقيل : تمترون في صحة التوحيد{[13148]} .