الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

قوله : { هو الذي خلقكم من طين } الآية [ 3 ] .

المعنى : أن الله خلق آدم من طين ، فخوطب الخلق بذلك ، لأنهم ولده ، وهو أصل لهم ، قال قتادة ومجاهد والسدي{[19104]} . قال ابن زيد : خلق آدم من طين ، ثم خُلقنا من آدم حين أخرجنا من ظهره{[19105]} .

وقيل : المعنى : أن النطفة من طين ، لكن قَبَلَها الله تعالى ذكره حتى كان الإنسان منها{[19106]} .

وقوله : { ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده } .

الأجل الأول : أجل الإنسان من حيث يخرج إلى الدنيا إلى أن يموت ، والأجل الثاني : هو ما بين وقت موته إلى يُبعث{[19107]} ، قاله قتادة والضحاك والحسن{[19108]} . وقال ابن جبير : الأول الدنيا ، والثاني الآخرة . وكذلك قال مجاهد{[19109]} . وقال عكرمة : الأول : الموت ، والثاني : الآخرة ، كالقول الأول ، وكذلك قال ابن عباس ، وقاله السدي{[19110]} .

و{ ثم } – على هذه الأقوال كلها – يراد بها التقديم للخبر{[19111]} الثاني على الأول{[19112]} .

كما قال الشاعر :

قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد بعد ذلك جده{[19113]}

فالجد سابق للأب ، والأب سابق للمدوح .

وقد قيل : الأول قبض الروح في النوم ، والثاني قبض الروح عند الموت ، روي ذلك عن ابن عباس أيضا{[19114]} . وقيل : معنى ذلك أن الأول هو ما أعلمنا ( أَلاَّ نَبَيَّ ){[19115]} بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، والآخر هو القيامة{[19116]} . وقيل : الأول ما نعرفه{[19117]} من الأهِلّة وأوقات الزروع{[19118]} ونحو ذلك ، والأجل الثاني : موت الإنسان متى يكون{[19119]} . ومعنى { ثم قضى أجلا } لم{[19120]} يرد أنه قضى الأجل خلق آدم ، بل الأجل قَضاهُ قبل خلق المخلوقات كلها ، ولكن الكلام محمول على الخبر من الله جل ذكره لنا ، كأنه قال : أخبركم أن الله خلقكم من طين ، يعني آدم ، ثم أخبركم أن الله قضى أجلاً قبل خلقه لآدم ، ف( ثم ) إنما دخلت لنسق الخبر الثاني على الأول ، لا لوقت الفعلين{[19121]} .

وقوله : { ثم أنتم تمترون } معناه{[19122]} : تشكون{[19123]} ( في من ){[19124]} خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، وقضى أجل الموت وأجل الساعة ، إنه إله واحد قادر ، لا عديل له ولا شبيه{[19125]} .

وقوله { ثم قضى أجلا } وقف حسن{[19126]} عند نافع وغيره من النحويين{[19127]} .

فسوف يأتيهم ( أخبار ){[19128]} تكذيبهم ، وهي ما حل عليهم من الأسر والسيف يوم بدر{[19129]} ، وفتح ( مكة ){[19130]} وغير ذلك ، ومعناه : سوف يعلمون ما{[19131]} تؤول{[19132]} إليه أمورهم{[19133]} .


[19104]:انظر: تفسير الطبري 11/255، وهو أحد المعنيين في إعراب النحاس 1/535.
[19105]:انظر: تفسير الطبري 11/255.
[19106]:هو أحد معنيي الآية في إعراب النحاس 1/535.
[19107]:د: بعث.
[19108]:انظر: تفسير الطبري 11/256، وانظر: قول الضحاك في إعراب النحاس 1/535.
[19109]:انظر: تفسير الطبري 11/257، وفي تفسير مجاهد 319: أن الأول الآخرة، والثاني الدنيا.
[19110]:انظر: تفسير الطبري 11/258.
[19111]:د: لخبر.
[19112]:انظر: المحرر 6/5، وخزانة الأدب 11/37.
[19113]:هو قول أبي نواس في خزانة الأدب 11/37، والبيت فيه بالتعقيب عليه كما يلي: (إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قَبْلَ ذلك جدُّه) على أن (ثُمَّ) فيه لمجرد الترتيب في الذكر). وانظر: كذلك معجم شواهد العربية.
[19114]:انظر: تفسير الطبري 11/258، 259.
[19115]:ب ج د: الأنبياء.
[19116]:انظر: إعراب النحاس 1/536.
[19117]:ب: بعرفة.
[19118]:ب: النزوع.
[19119]:انظر: إعراب النحاس 1/536.
[19120]:ج د: ثم.
[19121]:انظر: المحرر 6/5.
[19122]:ج: ومعناه.
[19123]:انظر: مجاز أبي عبيدة 1/185، ومعاني الزجاج 2/228.
[19124]:ج د: فيمن.
[19125]:ب: للبببه، وانظر: تفسير الطبري 11/260.
[19126]:انظر: المقصد 33.
[19127]:هم الأخفش ويعقوب وسهل بن محمد في القطع والإئتناف 301، وفيه أنه وقف تام عندهم.
[19128]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها: إخباركم.
[19129]:انظر: تفسير الطبري 11/262.
[19130]:ساقطة من ج د.
[19131]:د: من.
[19132]:ب: تؤولى.
[19133]:انظر: معاني الزجاج 2/228، وفيه (استهزاؤهم) بدلا من (أمورهم).