تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

وقوله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ } يعني : أباهم آدم الذي هو أصلهم ومنه خرجوا ، فانتشروا في المشارق والمغارب .

وقوله : { ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } قال سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس : { ثُمَّ قَضَى أَجَلا } يعني : الموت { وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } يعني : الآخرة .

وهكذا رُوي عن مجاهد ، وعِكْرِمة ، وسعيد بن جُبَيْر ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وزيد بن أسلم ، وعطية ، والسُّدِّي ، ومُقاتِل بن حَيَّان ، وغيرهم .

وقول{[10563]} الحسن - في رواية عنه : { ثُمَّ قَضَى أَجَلا } قال : ما بين أن يخلق إلى أن يموت { وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } ما بين أن يموت إلى أن يبعث - هو يرجع إلى ما تقدم ، وهو تقدير الأجل الخاص ، وهو عمر كل إنسان ، وتقدير الأجل العام ، وهو عمر الدنيا بكمالها ثم انتهائها وانقضائها وزوالها ، [ وانتقالها ]{[10564]} والمصير إلى الدار الآخرة .

وعن ابن عباس ومجاهد : { ثُمَّ قَضَى أَجَلا } يعني : مدة الدنيا { وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } يعني : عمر الإنسان إلى حين موته ، وكأنه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا : { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ [ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ]{[10565]} } الآية [ الأنعام : 60 ] .

وقال عطية ، عن ابن عباس { ثُمَّ قَضَى أَجَلا } يعني : النوم ، يقبض فيه الروح ، ثم يرجع{[10566]} إلى صاحبه عند اليقظة { وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } يعني : أجل موت الإنسان ، وهذا قول غريب .

ومعنى قوله : { عِنْدَهُ } أي : لا يعلمه إلا هو ، كقوله تعالى : { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ } [ الأعراف : 187 ] ، وكقوله { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا } [ النازعات : 42 - 44 ] .

وقوله : { ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } قال السُّدِّي وغيره : يعني تشكون في أمر الساعة .


[10563]:في أ: "وقال".
[10564]:زيادة من م، أ.
[10565]:زيادة من أ.
[10566]:في د: "ترجع".