تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

الآية 2 : وقوله تعالى : { هو الذي خلقكم من طين } أي خلق آدم أبا البشر { من طين } . فأما خلق بني آدم من ماء [ فهو ]{[6895]} كقوله تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } [ المؤمنون : 12 ] أخبر الله أنه خلق آدم من الطين ، وخلق بني آدم سوى عيسى عليه السلام من النطفة ، وخلق عيسى عليه السلام [ لا ]{[6896]} من الطين ولا من الماء ليعلموا{[6897]} أنه قادر على إنشاء الخلق لا من شيء وأنه لا اختصاص للخلق بشيء ، ولا ينكروا{[6898]} أيضا [ أنه قادر على ]{[6899]} إنشاء الخلق وإحيائهم وموتهم ؛ وذلك لا يخلو إما أن صاروا ترابا أو ماء أو لا ذا ولا ذا .

فإذا رأوا أنه خلق آدم من الطين ، وخلق سائر الحيوان من الماء ، وخلق عيسى عليه السلام لا من هذين ، كيف أنكروا إنشاء الخلق/143-ب/ بعد الموت ، وهو لا يخلو من هذه الوجوه التي ذكرنا ؟ فيكون دليلا على منكري البعث بعد الموت وعلى الدهرية في إنشاء الخلق لا من شيء ؛ فإنهم ينكرون ذلك ، ويحيلونه . ولهذا وقعوا في القول بقدم العالم ، والله الهادي .

ويحتمل قوله تعالى : { هو الذي خلقكم من طين } أن يراد به في خلق{[6900]} جميع بني آدم وإضافة خلقنا إلى الطين ، وكان الخلق من الماء لما{[6901]} أبقى في خلقنا من قوة ذلك الطين الذي في آدم وأثره ، وإن لم يره تلك القوة وذلك الأثر . وهذا كما أن الإنسان يرى أنه يأكل ، ويشرب ، ويغتذي ، ويحصل به زيادة قوة في سمعه وبصره وفي جميع جوارحه ، وقد تحيى بها جميع الجوارح ، وإن لم ير تلك القوة ، فكذلك هذا . ويحتمل أيضا على ما روي في القصة أنه يمازج مع النطفة شيء من التراب ، فيؤمر الملك بأن يأخذ شيئا من التراب من المكان الذي حكم أن يدفن فيه ، فيخلط بالنطفة ، فتصير علقة ومضغة . فإنما نسبهم إلى التراب لهذا .

وتحتمل النسبة إلى التراب ، وإن لم يكونوا من التراب ، لما أن أصلهم من التراب ، وهو آدم .

وقوله تعالى : { ثم قضى أجلا وأجل مسمى } فالقضاء يتوجه إلى وجوه ؛ كلها ترجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه ؛ وقد يكون لابتداء فعل وإنشائه كقوله تعالى : { فاقض ما أنت قاض } [ طه : 72 ] [ ويقال : قضيت هذا الثوب أي علمته ، وأحكمته ، وقد يكون بمعنى الأمر ؛ قال الله تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [ الإسراء : 23 ] أي أمر ربك لأنه أمر قاطع حتم ، وقد يكون بمعنى الإعلام ؛ قال تعالى : { وقضينا إلى بني إسرائيل } [ الإسراء : 4 ] أي أعلمناهم إعلاما قاطعا ، وقد يكون لبيان الغاية والانتهاء منه والختم كقوله تعالى : { ثم قضى أجلا } أي ختم ذلك ، وأتمه ، وقد ]{[6902]} يكون غير ما ذكرنا .

ثم قوله تعالى : { ثم قضى أجلا } يحتمل هذا كله سوى الأمر . ثم قوله تعالى : { ثم قضى أجلا } الموت { وأجل مسمى عنده } يوم القيامة . أطلعنا على أحد الأجلين ، وهو الموت لأنا نرى من يموت ، ونعاين ، ولم يطلعنا على الآخر ، وهو الساعة والقيامة . وقيل : { ثم قضى أجلا } أجل الدنيا من خلقه{[6903]} إلى أن يموت { وأجل مسمى عنده } يوم القيامة .

وقوله تعالى : { ثم أنتم تمترون } أي تشكون ، وتكذبون بعد هذا كله .


[6895]:- ساقطة من الأصل وم.
[6896]:- ساقطة من الأصل وم .
[6897]:- في الأصل وم: ليعلمن.
[6898]:- في الأصل و م: ينكرون.
[6899]:- ساقطة من الأصل و م.
[6900]:- في الأصل وم: حق.
[6901]:- في الأصل وم: ذا
[6902]:- من م، في الأصل: ويكون بيان الغاية ويكون الأمر و.
[6903]:- في الأصل و م: خلقك.