الطين : معروف ، يقال : منه طان الكتان يطينه وطنه يا هذا .
{ هو الذي خلقكم من طين } ظاهره أنا مخلوقون من طين ، وذكر ذلك المهدوي ومكي والزهراوي عن فرقة فالنطفة التي يخلق منها الإنسان أصلها { من طين } ثم يقلبها الله نطفة .
قال ابن عطية : وهذا يترتب على قول من يقول : يرجع بعد التولد والاستحالات الكثيرة نطفة وذلك مردود عند الأصوليين ؛ انتهى .
وقال النحاس : يجوز أن تكون النطفة خلقها الله { من طين } على الحقيقة ثم قلبها حتى كان الإنسان منها ؛ انتهى .
وقد روى أبو نعيم الحافظ عن بريد بن مسعود حديثاً في الخلق آخره : »ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته« ، فذلك قوله تعالى : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم } الآية .
وخرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد إلا وقد در عليه من تراب حفرته " .
وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : وعندي فيه وجه آخر وهو أن الإنسان مخلوق من المني ومن دم الطمث المتولدين من الأغذية ، والأغذية حيوانية والقول في كيفية تولدها ، كالقول في الإنسان أو نباتية فثبت تولد الإنسان من النباتية وهي متولدة { من الطين } فكل إنسان متولد .
{ من الطين } وهذا الوجه أقرب إلى الصواب ؛ انتهى .
وهذا الذي ذكر أنه عنده وجه آخر وهو أقرب إلى الصواب ، هو بسط ما حكاه المفسرون عن فرقة .
وقال فيه ابن عطية : هو مردود عند الأصوليين يعني القول : بالتوالد والاستحالات والذي هو مشهور عند المفسرين ، أن المخلوق { من الطين } هنا هو آدم .
قال قتادة ومجاهد والسدي وغيرهم : المعنى خلق آدم { من طين } والبشر من آدم فلذلك قال : { خلقكم من طين } وذكر ابن سعد في الطبقات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الناس ولد آدم وآدم من تراب » .
إلى عرق الثرى وشجت عروقي *** وهذا الموت يسلبني شبابي
وفسره الشراح بأن عرق الثرى هو آدم ، فعلى هذا يكون التأويل على حذف مضاف إما في { خلقكم } أي خلق أصلكم ، وإما في { من طين } أي من عرق طين وفرعه .
{ ثم قضى أجلاً وأجلّ مسمى عنده ثم أنتم تمترون } { قضى } إن كانت هنا بمعنى قدر وكتب ، كانت { ثم } هنا للترتيب في الذكر لا في الزمان لأن ذلك سابق على خلقنا ، إذ هي صفة ذات وإن كانت بمعنى أظهر ، كانت للترتيب الزماني على أصل وضعها ، لأن ذلك متأخر عن خلقنا فهي صفة فعل والظاهر من تنكير الأجلين أنه تعالى أبهم أمرهما .
وقال الحسن ومجاهد وعكرمة وخصيف وقتادة : الأول أجل الدنيا من وقت الخلق إلى الموت ، والثاني أجل الآخرة لأن الحياة في الآخرة لا انقضاء لها ، ولا يعلم كيفية الحال في هذا الأجل إلا الله تعالى ، وروي عن ابن عباس أن الأول هو وفاته بالنوم والثاني بالموت .
وقال أيضاً : الأول أجل الدنيا والثاني الآخرة .
وقال مجاهد أيضاً : الأول الآخرة .
وقال ابن زيد : الأول هو في وقت أخذ الميثاق على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم ، والمسمى في هذه الحياة الدنيا .
وقال أبو مسلم : الأول أجل الماضين ، والثاني أجل الباقين ، ووصفه بأنه مسمى عنده لأنه تعالى مختص به بخلاف الماضين ، فإنهم لما ماتوا علمت آجالهم .
وقيل : الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث ، وهو البرزخ .
وقيل : الأول مقدار ما انقضى من عمر كل إنسان ، والثاني مقدار ما بقي .
وقيل : الأول أجل الأمم السالفة ، والثاني أجل هذه الأمة .
وقيل : الأول ما علمناه أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، والثاني من الآخرة ، وقيل : الأول ما عرف الناس من آجال الأهلة والسنين والكوائن ، والثاني قيام الساعة .
وقيل : الأول من أوقات الأهلة وما أشبهها ، والثاني موت الإنسان .
وقال ابن عباس ومجاهد أيضاً { قضى أجلاً } بانقضاء الدنيا والثاني لابتداء الآخرة .
وروي عن ابن عباس أنه قال : لكل أحد أجلان ، فإن كان تقياً وصولاً للرحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر ، وإن كان بالعكس نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث .
وقال أبو عبد الله الرازي : لكل إنسان أجلان الطبيعي والاخترامي .
فالطبيعي : هو الذي لو بقي ذلك المزاج مصوناً عن العوارض الخارجة لانتهت مدة بقائه إلى الأوقات الفلكية .
والاخترامي : هو الذي يحصل بسبب الأسباب الخارجية كالحرق والغرق ولدغ الحشرات ، وغيرها من الأمور المنفصلة ، انتهى .
وهذا قول المعتزلة وهو نقله عنهم وقال : هذا قول حكماء الإسلام ، انتهى ومعنى { مسمى عنده } معلوم عنده أو مذكور في اللوح المحفوظ ، وعنده مجاز عن علمه ولا يراد به المكان .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفاً وجب تقديمه فلم جاز تقديمه في قوله : { وأجل مسمى عنده } .
( قلت ) : لأنه تخصيص بالصفة فقارب المعرفة ، كقوله : { ولعبد مؤمن خير من مشرك } انتهى .
وهذا الذي ذكره من مسوغ الابتداء بالنكرة لكونها وصفت لا يتعين هنا أن يكون هو المسوغ ، لأنه يجوز أن يكون المسوغ هو التفصيل لأن من مسوغات الابتداء بالنكرة ، أن يكون الموضع موضع تفصيل نحو قوله :
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له *** بشق وشق عندنا لم يحول
وقد سبق كلامنا على هذا البيت وبينا أنه لا يجوز أن يكون عندنا في موضع الصفة ، بل يتعين أن يكون في موضع الخبر .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : الكلام السائر أن يقال : عندي ثوب جيد ولي عبد كيس وما أشبه ذلك .
( قلت ) : أوجبه أن المعنى وأي { أجل مسمى عنده } تعظيماً لشأن الساعة فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم ؛ انتهى .
وهذا لا يجوز لأنه إذا كان التقدير وأي { أجل مسمى عنده } كانت أي صفة لموصوف محذوف تقديره وأجل أي { أجل مسمى عنده } ولا يجوز حذف الصفة إذا كانت أياً ولا حذف موصوفها وإبقاؤها ، فلو قلت مررت بأي رجل تريد برجل أيّ رجل لم يجز ، { وتمترون } معناه تشكون أو تجادلون جدال الشاكين ، والتماري المجادلة على مذهب الشك قاله بعض المفسرين .
والكلام في { ثم } هنا كالكلام فيها في قوله { ثم الذين كفروا } والذي يظهر لي أن قوله تعالى : { هو الذي خلقكم } على جهة الخطاب ، هو التفات من الغائب الذي هو قوله { ثم الذين كفروا } وإن كان الخلق وقضاء الأجل ليس مختصاً بالكفار إذ اشترك فيه المؤمن والكافر ، لكنه قصد به الكافر تنبيهاً له على أصل خلقه وقضاء الله تعالى عليه وقدرته ، وإنما قلت إنه من باب الالتفات لأن قوله { ثم أنتم تمترون } لا يمكن أن يندرج في هذا الخطاب من اصطفاه الله بالنبوة والإيمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.