غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

1

ثم ذكر دليلاً آخر على إثبات الصانع وعلى صحة المعاد الجسماني فقال { هو الذي خلقكم من طين } أي من آدم لأنه مخلوق من الطين ، أو خلقكم من النطفة المتولدة من الأغذية المنتهية إلى العناصر ، ولا ريب أن خلق الأغذية المتنوعة من العناصر المتشابهة الأجزاء ، ثم توليد النطفة المتشابهة الأجزاء من تلك الأغذية المختلفة ، ثم تخليق الأعضاء المختلفة في الصفة والصورة واللون والشكل كالقلب والدماغ والكبد والعظام والغضاريف والرباطات والأوتار وغيرها من المادة المتشابهة لا يمكن إلا بتقدير مقدر حكيم ومدبر رحيم . ثم إن تلك القدرة والحكمة باقية بعد موت الحيوان فيكون قادراً على إعادتها وإعادة الحياة فيها وذلك يدل على صحة القول بالمعاد . أما قوله { ثم قضى أجلاً } فاعلم أن لفظ القضاء قد يرد بمعنى الحكم والأمر { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [ الإسراء : 23 ] وبمعنى الخبر والإعلام { وقضينا إلى بني إسرائيل } [ الإسراء : 4 ] وبمعنى صفة الفعل إذا تم { فقضاهن سبع سموات } [ فصلت : 12 ] ومنه قولك : قضى فلان حاجة فلان . والأنسب هاهنا هو الأول . والأجل في اللغة بمعنى الوقت المضروب لانقضاء الأمد . وأصله من التأخير ومنه الآجل نقيض العاجل . ثم إن صريح الآية يدل على حصول أجلين لكل إنسان . فقال أبو مسلم : الأول آجال الماضين لأنهم لما ماتوا صارت آجالهم معلومة ، والثاني آجال الباقين لأنها غير معلومة بعد وإنما هي مسماة عند الله تعالى . وقيل : الأول أجل الموت ، والثاني أجل القيامة لأنه لا آخر له ولا يعلم أحد كيفية الحال في هذا الأجل إلا الله تعالى . وقيل : الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ . وقيل : الأول النوم ، والثاني الموت . وقيل : الأول مقدار ما انقضى من عمل كل أحد ، والثاني ما بقي من عمره . وقال حكماء الإسلام : الأول الأجل الطبيعي الذي يمكن بالنسبة إلى المزاج الأول لكل شخص لو بقي مصوناً عن الآفات الخارجية ، والثاني الأجل الاخترامي الذي يحصل بسبب من الأسباب الخارجية كالغرق والحرق والقتل واللدغ وغيرها من الأمور المنفصلة . ومعنى { مسمى } أي مذكور اسمه في اللوح المحفوظ . ومعنى { عنده } أي في حكمه وعلمه كما تقول : هذه المسألة عند الشافعي كذا وعند أبي حنيفة كذا . وارتفع { أجل } بالابتداء وجاز ذلك مع تنكيره لمكان وصفه فقارب المعرفة . وإنما لم يقل «وعنده أجل مسمى » تعظيماً لشأن هذا الأجل فكأنه قيل : وأي أجل مسمى عنده ؟ والمرية والامتراء الشك . ومعنى «ثم » تبعيد الامتراء عن مثل هذه الحجة الباهرة الموجبة للتيقن في أمر المبدأ والمعاد .

/خ11