ثم ذكر دليلاً آخر على إثبات الصانع وعلى صحة المعاد الجسماني فقال { هو الذي خلقكم من طين } أي من آدم لأنه مخلوق من الطين ، أو خلقكم من النطفة المتولدة من الأغذية المنتهية إلى العناصر ، ولا ريب أن خلق الأغذية المتنوعة من العناصر المتشابهة الأجزاء ، ثم توليد النطفة المتشابهة الأجزاء من تلك الأغذية المختلفة ، ثم تخليق الأعضاء المختلفة في الصفة والصورة واللون والشكل كالقلب والدماغ والكبد والعظام والغضاريف والرباطات والأوتار وغيرها من المادة المتشابهة لا يمكن إلا بتقدير مقدر حكيم ومدبر رحيم . ثم إن تلك القدرة والحكمة باقية بعد موت الحيوان فيكون قادراً على إعادتها وإعادة الحياة فيها وذلك يدل على صحة القول بالمعاد . أما قوله { ثم قضى أجلاً } فاعلم أن لفظ القضاء قد يرد بمعنى الحكم والأمر { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [ الإسراء : 23 ] وبمعنى الخبر والإعلام { وقضينا إلى بني إسرائيل } [ الإسراء : 4 ] وبمعنى صفة الفعل إذا تم { فقضاهن سبع سموات } [ فصلت : 12 ] ومنه قولك : قضى فلان حاجة فلان . والأنسب هاهنا هو الأول . والأجل في اللغة بمعنى الوقت المضروب لانقضاء الأمد . وأصله من التأخير ومنه الآجل نقيض العاجل . ثم إن صريح الآية يدل على حصول أجلين لكل إنسان . فقال أبو مسلم : الأول آجال الماضين لأنهم لما ماتوا صارت آجالهم معلومة ، والثاني آجال الباقين لأنها غير معلومة بعد وإنما هي مسماة عند الله تعالى . وقيل : الأول أجل الموت ، والثاني أجل القيامة لأنه لا آخر له ولا يعلم أحد كيفية الحال في هذا الأجل إلا الله تعالى . وقيل : الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ . وقيل : الأول النوم ، والثاني الموت . وقيل : الأول مقدار ما انقضى من عمل كل أحد ، والثاني ما بقي من عمره . وقال حكماء الإسلام : الأول الأجل الطبيعي الذي يمكن بالنسبة إلى المزاج الأول لكل شخص لو بقي مصوناً عن الآفات الخارجية ، والثاني الأجل الاخترامي الذي يحصل بسبب من الأسباب الخارجية كالغرق والحرق والقتل واللدغ وغيرها من الأمور المنفصلة . ومعنى { مسمى } أي مذكور اسمه في اللوح المحفوظ . ومعنى { عنده } أي في حكمه وعلمه كما تقول : هذه المسألة عند الشافعي كذا وعند أبي حنيفة كذا . وارتفع { أجل } بالابتداء وجاز ذلك مع تنكيره لمكان وصفه فقارب المعرفة . وإنما لم يقل «وعنده أجل مسمى » تعظيماً لشأن هذا الأجل فكأنه قيل : وأي أجل مسمى عنده ؟ والمرية والامتراء الشك . ومعنى «ثم » تبعيد الامتراء عن مثل هذه الحجة الباهرة الموجبة للتيقن في أمر المبدأ والمعاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.