قوله تعالى : { طلعها } ثمرها سمي طلعاً لطلوعه ، { كأنه رؤوس الشياطين } قال ابن عباس رضي الله عنهما : هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقبحها ، لأن الناس إذا وصفوا شيئاً بغاية القبح قالوا : كأنه شيطان ، وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها متصور في النفس ، وهذا معنى قول ابن عباس و القرظي ، وقال بعضهم : أراد بالشياطين الحيات ، والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطاناً . وقيل : هي شجرة قبيحة مرة منتنة تكون في البادية ، تسميها العرب رؤوس الشياطين .
ولكي يتضح الفارق الهائل بين هذا النعيم الخالد الآمن الدائم الراضي ؛ والمصير الآخر الذي ينتظر الفريق الآخر . فإن السياق يستطرد إلى ما ينتظر هذا الفريق بعد موقف الحشر والحساب الذي ورد في مطلع المشهد الفريد :
( أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم ! إنا جعلناها فتنة للظالمين . إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم . طلعها كأنه رؤوس الشياطين . فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون . ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم . ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ) . .
أذلك النعيم المقيم خير منزلاً ومقاماً أم شجرة الزقوم ?
( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم . طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) . .
والناس لا يعرفون رؤوس الشياطين كيف تكون ! ولكنها مفزعة ولا شك . ومجرد تصورها يثير الفزع والرعب . فكيف إذا كانت طلعاً يأكلونه ويملأون منه البطون ? !
لقد جعل الله هذه الشجرة فتنة للظالمين . فحين سمعوا باسمها سخروا وقالوا : كيف تنبت شجرة في الجحيم ولا تحترق . وقال قائل منهم هو أبو جهل ابن هشام يسخر ويتفكه : " يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ? قالوا : لا : قال عجوة يثرب بالزبد ! والله لئن استمكنا منها لنزقمنها تزقماً " ! ولكن شجرة الزقوم هذه شيء آخر غير ذلك الطعام الذي كانوا يعرفون !
يقول تعالى ذكره : أهذا الذي أعطيت هؤلاء المؤمنين الذين وصفت صفتهم من كرامتي في الجنة ، ورزقتهم فيها من النعيم خير ، أو ما أعددت لأهل النار من الزّقُوم . وعُنِي بالنزل : الفضل ، وفيه لغتان : نُزُل ونُزْل يقال للطعام الذي له ريع : هو طعام له نُزْل ونُزُل . وقوله : أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ ذكر أن الله تعالى لما أنزل هذه الاَية قال المشركون : كيف ينبتُ الشجر في النار ، والنار تُحْرق الشجر ؟ فقال الله : إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ يعني لهؤلاء المشركين الذين قالوا في ذلك ما قالوا ، ثم أخبرهم بصفة هذه الشجرة فَقالَ إنّها شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ حتى بلغ فِي أصْلِ الجَحِيمِ قال : لما ذكر شجرة الزقوم افتتن الظَلَمة ، فقالوا : ينبئكم صاحبكم هذا أن في النار شجرة ، والنار تأكل الشجر ، فأنزل الله ما تسمعون : إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ، غُذِيت بالنار ومنها خُلقت .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال أبو جهل : لما نزلت إنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ قال : تعرفونها في كلام العرب : أنا آتيكم بها ، فدعا جارية فقال : ائتيني بتمر وزُبْد ، فقال : دونكم تَزَقّموا ، فهذا الزّقوم الذي يخوّفكم به محمد ، فأنزل الله تفسيرها : أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ قال : لأبي جهل وأصحابه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمينَ قال : قول أبي جهل : إنما الزّقوم التمر والزبد أتَزَفّمه .
وقوله : طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِين يقول تعالى ذكره : كأن طلع هذه الشجرة ، يعني شجرة الزقوم في قُبحه وسماجته رؤوس الشياطين في قُبحها .
وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «إنّها شَجَرَةٌ نابِتَةٌ فِي أصْلِ الجَحِيمِ » ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِينُ قال : شبهه بذلك .
فإن قال قائل : وما وجه تشبيهه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين في القبح ، ولا علم عندنا بمبلغ قبح رؤوس الشياطين ، وإنما يمثّل الشيء بالشيء تعريفا من المُمّثل المُمّثل له قربُ اشتباه الممثّل أحدهما بصاحبه مع معرفة المُمَثّل له الشيئين كليهما ، أو أحدَهما ، ومعلوم أن الذين خوطبوا بهذه الاَية من المشركين ، لم يكونوا عارفين شَجَرة الزقوم ، ولا برؤوس الشياطين ، ولا كانوا رأوهما ، ولا واحدا منهما ؟ .
قيل له : أما شجرة الزقوم فقد وصفها الله تعالى ذكره لهم وبينها حتى عرفوها ما هي وما صفتها ، فقال لهم : شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِينِ فلم يتركهم في عَماء منها . وأما في تمثيله طلعها برؤوس الشياطين ، فأقول لكلّ منها وجه مفهوم : أحدها أن يكون مثل ذلك برؤوس الشياطين على نحو ما قد جرى به استعمال المخاطبين بالاَية بينهم وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء ، قال : كأنه شيطان ، فذلك أحد الأقوال . والثاني أن يكون مُثّل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطانا ، وهي حية لها عُرْف فيما ذُكر قبيح الوجه والمنظر ، وإياه عنى الراجز بقوله :
عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أحْلِفُكمِثْلِ شَيْطانِ الحَماطِ أعْرَفُ
ويروى عُجَيّزٌ . والثالث : أن يكون مثل نبت معروف برؤوس الشياطين ذُكِر أنه قبيح الرأس فإنّهُمْ لاََكِلُونَ مِنْها فَمالِئُونَ منها البُطُونَ يقول تعالى ذكره : فإن هؤلاء المشركين الذين جعل الله هذه الشجرة لهم فتنة ، لاَكلون من هذه الشجرة التي هي شجرة الزّقوم ، فمالئون من زَقّومها بطونهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{طلعها} تمرها، {كأنه رءوس الشياطين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 62]
وقوله:"أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ"، ذكر أن الله تعالى لما أنزل هذه الآية قال المشركون: كيف ينبتُ الشجر في النار، والنار تُحْرق الشجر؟ فقال الله: "إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ "يعني لهؤلاء المشركين الذين قالوا في ذلك ما قالوا، ثم أخبرهم بصفة هذه الشجرة فَقالَ: "إنّها شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ". وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل... عن قتادة "أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ "حتى بلغ "فِي أصْلِ الجَحِيمِ" قال: لما ذكر شجرة الزقوم افتتن الظَلَمة، فقالوا: ينبئكم صاحبكم هذا أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فأنزل الله ما تسمعون: إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم، غُذِيت بالنار ومنها خُلقت...
عن السديّ، قال: قال أبو جهل: لما نزلت "إنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ" قال: تعرفونها في كلام العرب: أنا آتيكم بها، فدعا جارية فقال: ائتيني بتمر وزُبْد، فقال: دونكم تَزَقّموا، فهذا الزّقوم الذي يخوّفكم به محمد، فأنزل الله تفسيرها: "أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ" قال: لأبي جهل وأصحابه...
وقوله: "طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِين" يقول تعالى ذكره: كأن طلع هذه الشجرة، يعني شجرة الزقوم في قُبحه وسماجته رؤوس الشياطين في قُبحها...
فإن قال قائل: وما وجه تشبيهه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين في القبح، ولا علم عندنا بمبلغ قبح رؤوس الشياطين، وإنما يمثّل الشيء بالشيء تعريفا من المُمّثل المُمّثل له قربُ اشتباه الممثّل أحدهما بصاحبه مع معرفة المُمَثّل له الشيئين كليهما، أو أحدَهما، ومعلوم أن الذين خوطبوا بهذه الآية من المشركين، لم يكونوا عارفين شَجَرة الزقوم، ولا برؤوس الشياطين، ولا كانوا رأوهما، ولا واحدا منهما؟.
قيل له: أما شجرة الزقوم فقد وصفها الله تعالى ذكره لهم وبينها حتى عرفوها ما هي وما صفتها، فقال لهم: "شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِينِ" فلم يتركهم في عَماء منها. وأما في تمثيله طلعها برؤوس الشياطين، فأقول لكلّ منها وجه مفهوم: أحدها أن يكون مثل ذلك برؤوس الشياطين على نحو ما قد جرى به استعمال المخاطبين بالآية بينهم وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء، قال: كأنه شيطان، فذلك أحد الأقوال. والثاني أن يكون مُثّل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطانا، وهي حية لها عُرْف فيما ذُكر قبيح الوجه والمنظر... والثالث: أن يكون مثل نبت معروف برؤوس الشياطين ذُكِر أنه قبيح الرأس.
"فإنّهُمْ لآكِلُونَ مِنْها فَمالِئُونَ منها البُطُونَ" يقول تعالى ذكره: فإن هؤلاء المشركين الذين جعل الله هذه الشجرة لهم فتنة، لآكلون من هذه الشجرة التي هي شجرة الزّقوم، فمالئون من زَقّومها بطونهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم نبه على أن محل الفتنة جعلها فيما ينكرونه، فقال تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم معللاً لجعلها فتنة تخالطهم فتحيلهم في الدنيا بحرها وفي الأُخرى بأثرها: {إنها} وحقق أمر نباتها بقوله: {شجرة} وزاد الأمر بياناً بقوله: {تخرج} وأكده بالظرف فقال: {في أصل} أي ثابت وقعر ومعظم وقرار {الجحيم} أي النار الشديدة الاضطرام وفروعها ترتفع إلى دركاتها،
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أنها ك {رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} فلا تسأل بعد هذا عن طعمها، وما تفعل في أجوافهم وبطونهم، وليس لهم عنها مندوحة ولا معدل.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} أي في قعرها، وإذا كان هناك غرابة في نبات الشجرة في النار وبقائها فيه، فإن حياة الإنسان فيها أعجب، ولكن قدرة الله التي تبدع العناصر الغريبة التي تؤلف بين الأشياء المختلفة لا يُعجزها شيء.