المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

32- وقد ظهر للملائكة عجزهم فقالوا : إننا ننزهك يا ربَّنا التنزيه اللائق بك ، ونقر بعجزنا وعدم اعتراضنا ، فلا علم عندنا إلا ما وهبتنا إياه ، وأنت العالم بكل شيء ، الحكيم في كل أمر تفعله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

قوله تعالى : { قالوا سبحانك } . تنزيهاً لك .

قوله تعالى : { لا علم لنا إلا ما علمتنا } . معناه أنك أجل من أن نحيط بشيء من علمك إلا ما علمتنا .

قوله تعالى : { إنك أنت العليم } . بخلقك .

قوله تعالى : { الحكيم } . في أمرك . والحكيم له ومعنيان : أحدهما الحاكم وهو القاضي العدل . والثاني المحكم للأمر كي لا يتطرق إليه الفساد . وأصل الحكمة في اللغة : المنع فهي تمنع صاحبها من الباطل ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها من الاعوجاج ، فلما ظهر عجزهم { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

{ قَالُوا سُبْحَانَكَ } أي : ننزهك من الاعتراض منا عليك ، ومخالفة أمرك . { لَا عِلْمَ لَنَا } بوجه من الوجوه { إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا } إياه ، فضلا منك وجودا ، { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } العليم الذي أحاط علما بكل شيء ، فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر .

الحكيم : من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق ، ولا يشذ عنها مأمور ، فما خلق شيئا إلا لحكمة : ولا أمر بشيء إلا لحكمة ، والحكمة : وضع الشيء في موضعه اللائق به ، فأقروا ، واعترفوا بعلم الله وحكمته ، وقصورهم عن معرفة أدنى شيء ، واعترافهم بفضل الله عليهم ، وتعليمه إياهم ما لا يعلمون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

{ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا } اعتراف بالعجز والقصور ، وإشعار بأن سؤالهم كان استفسارا ولم يكن اعتراضا ، وأنه قد بان لهم ما خفي عليهم من فضل الإنسان والحكمة في خلقه وإظهار لشكر نعمته بما عرفهم وكشف لهم ما اعتقل عليهم ، ومراعاة للأدب بتفويض العلم كله إليه . وسبحانك مصدر كغفران ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله ، كمعاذ الله . وقد أجري علما للتسبيح بمعنى التنزيه على الشذوذ في قوله : سبحان من علقمة الفاخر . وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار والجهل بحقيقة الحال ، ولذلك جعل مفتاح التوبة فقال موسى عليه السلام : { سبحانك تبت إليك } وقال يونس : { سبحانك إني كنت من الظالمين } .

{ إنك أنت العليم } الذي لا يخفى عليه خافية : { الحكيم } المحكم لمبدعاته الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة . وأنت فصل ، وقيل : تأكيد للكاف كما في قولك : مررت بك أنت ، وإن لم يجز : مررت بأنت ، إذ التابع يسوغ فيه ما لا يسوغ في المتبوع ، ولذلك جاز : يا هذا الرجل ، ولم يجز : يا الرجل ، وقيل : مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر إن .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (32)

قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 31 )

جرد { قالوا } من الفاء لأنه محاورة كما تقدم عند قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] وافتتاح كلامهم بالتسبيح وقوف في مقام الأدب والتعظيم لذي العظمة المطلقة ، وسبحان اسم التسبيح وقد تقدم عند قوله : { ونحن نسبح بحمدك } [ البقرة : 30 ] وهو اسم مصدر سَبَّحَ المضاعف وليس مصدراً لأنه لم يجىء على أبنية مصادر الرباعي وقيل هو مصدر سَبَحَ مخففاً بمعنى نزه فيكون كالغفران والشكران ، والكفران من غفر وشكر وكفر وقد كثر استعماله منصوباً على المفعولية المطلقة بإضمار فعله ك { معاذ الله } [ يوسف : 23 ] وقد يخرج عن ذلك نادراً قال : « سبحانك اللهم ذا السبحان » وكأنهم لما خصصوه في الاستعمال بجعله كالعلم على التنزيه عدلوا عن قياس اشتقاقه فصار سبحان كالعلم الجنسي مثل برة وفجار بكسر الراء في قول النابغة :

* فحملتُ برّة واحتملتُ فجارِ *

ومنعوه من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون قال سيبويه : وأما ترك تنوين ( سبحان ) فلأنه صار عندهم معرفة وقول الملائكة : { لا علم لنا إلا ما علمتنا } خبر مراد منه الاعتراف بالعجز لا الإخبار عن حالهم لأنهم يوقنون أن الله يعلم ما تضمنه كلامهم . ولا أنهم قصدوا لازم الفائدة وهي أن المخبر عالم بالخبر فتعين أن الخبر مستعمل في الاعتراف .

ثم إن كلامهم هذا يدل على أن علومهم محدودة غير قابلة للزيادة فهي مقصورة على ما ألهمهم الله تعالى وما يأمرهم ، فللملائكة علم قبول المعاني لا علم استنباطها .

وفي تصدير كلامهم بسبحانك إيماء إلى الاعتذار عن مراجعتهم بقولهم : { أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] فهو افتتاح من قبيل براعة الاستهلال عن الاعتذار . والاعتذار وإن كان يحصل بقولهم : { لا علم لنا إلا ما علمتنا } لكن حصول ذلك منه بطريق الكناية دون التصريح ويحصل آخراً لا ابتداء فكان افتتاح كلامهم بالتنزيه تعجيلاً بما يدل على ملازمة جانب الأدب العظيم { إنك أنت العليم الحكيم } ساقوه مساق التعليل لقولهم { لا علم لنا إلا ما علمتنا } لأن المحيط علمه بكل شيء المحكم لكل خلق إذا لم يجعل لبعض مخلوقاته سبيلاً إلى علم شيء لم يكن لهم قبل بعلمه إذ الحصول بقدر القبول والاستعداد أي فلا مطمع لنا في تجاوز العلم إلى ما لم تهيىء لنا علمه بحسب فطرتنا . والذي دل على أن هذا القول مسوق للتعليل وليس مجرد ثناء هو تصديره بإن في غير مقام رد إنكار ولا تردد .

قال الشيخ في « دلائل الإعجاز »{[109]} :


[109]:- صفحة 197 طبع المنار.
[110]:- صفحة 232.