وكان السامري قد بصر يوم الغرق بأثر الرسول ، فسولت له نفسه أن يأخذ قبضة من أثره ، وأنه إذا ألقاها على شيء حيي ، فتنة وامتحانا ، فألقاها على ذلك العجل الذي صاغه بصورة عجل ، فتحرك العجل ، وصار له خوار وصوت ، وقالوا : إن موسى ذهب يطلب ربه ، وهو هاهنا فنسيه ، وهذا من بلادتهم ، وسخافة عقولهم ، حيث رأوا هذا الغريب الذي صار له خوار ، بعد أن كان جمادا ، فظنوه إله الأرض والسماوات .
ضميرا الغيبة في قوله فَأَخْرَجَ لَهُمْ } وقوله : { فَقَالُوا } عائدان إلى غير المتكلمين .
علّق المتكلمون الإخرَاجَ والقولَ بالغائبين للدلالة على أن المتكلمين مع موسى لم يكونوا ممن اعتقد إلهية العجل ولكنهم صانعَوا دهماء القوم ، فيكون هذا من حكاية قول القوم لموسى . وعلى هذا درج جمهور المفسرين ، فيكون من تمام المعذرة التي اعتذر بها المجيبون لموسى ، ويكون ضمير { فأخرج لهم } التفاتاً قصد القائلون به التبرّي من أن يكون إخراج العجل لأجلهم ، أي أخرجَه لمن رغِبوا في ذلك .
وجعل بعض المفسرين هذا الكلام كلّه من جانب الله ، وهو اختيار أبي مسلم ، فيكون اعتراضاً وإخباراً للرسول صلى الله عليه وسلم وللأمّة . وموقع الفاء يناكد هذا لأنّ الفاء لا تَرِد للاستئناف على التحقيق ، فتكون الفاء للتفريع تفريعَ أخبار على أخبار .
والمعنى : فمثل ذلك القذف الذي قذفنا ما بأيدينا من زينة القوم ألقى السامريّ ما بيده من النّار ليَذوب ويصوغها فأخرج لهم من ذلك عجلاً جسداً . فإنّ فعل ( ألقى ) يحكي حالة مشبهة بحالة قَذفهم مصوغَ القبط . والقذف والإلقاء مترادفان ، شبه أحدهما بالآخر .
والجسد : الجسم ذو الأعضاء سواء كان حياً أم لا ؛ لقوله تعالى : { وألْقينا على كرسيه جسداً } [ ص : 34 ] . قيل : هو شِق طفل ولدتْه إحدى نسائه كما ورد في الحديث . قال الزجاج : الجسد هو الذي لا يَعقل ولا يميّز إنما هو الجثّة ، أي أخرج لهم صورة عجل مجسّدة بشكله وقوائمه وجوانبه ، وليس مجرد صورة منقوشة على طبق من فضة أو ذهب . وفي سفر الخروج أنّه كان من ذهب .
والإخْراج : إظهار ما كان محجوباً . والتعبير بالإخراج إشارة إلى أنّه صنعه بحيلة مستورة عنهم حتى أتمّه .
والخُوار : صوت البقر . وكان الذي صنع لهم العجل عارفاً بصناعة الحِيل التي كانوا يصنعون بها الأصنام ويجعلون في أجوافها وأعناقها منافذ كالزمارات تخرج منها أصوات إذا أطلقت عندها رياح بالكير ونحوه .
وصنع لهم السامريّ صنماً على صورة عجل لأنهم كانوا قد اعتادوا في مصر عبادة العجل « ايبيس » ، فلما رأوا ما صاغه السامريّ في صورة معبود عرَفوه من قبل ورأوه يزيد عليه بأن له خواراً ، رسخ في أوهامهم الآفنة أن ذلك هو الإله الحقيقي الذي عبّروا عنه بقولهم { هذا إلهكم وإله موسى ، لأنهم رأوه من ذهب أو فضة ، فتوهموا أنّه أفضل من العجل ( إيبيس ) . وإذ قد كانوا يثبتون إلهاً محجوباً عن الأبصار وكانوا يتطلبون رؤيته ، فقالوا لموسى : { أرنا الله جهرة } [ النساء : 153 ] ، حينئذ توهموا أن هذه ضالتهم المنشودة . وقصة اتخاذهم العجل في كتاب التّوراة غير ملائمة للنظر السليم .
وتفريع { فَنَسِى } يحتمل أن يكون تفريعاً على { فقال هذا إلهكم تفريعَ علة على معلول ، فالضمير عائد إلى السامريّ ، أي قال السامري ذلك لأنه نسي ما كان تلقّاه من هدي ؛ أو تفريعَ معلول على علّة ، أي قال ذلك ، فكان قوله سبباً في نسيانه ما كان عليه من هَدي إذ طبع الله على قلبه بقوله ذلك فحرمه التوفيق من بعدُ .
والنسيان : مستعمل في الإضاعة ، كقوله تعالى : { قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها } [ طه : 126 ] وقوله : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } [ الماعون : 5 ] .
وعلى هذا يكون قوله { فَنَسِيَ } من الحكاية لا من المحكي ، والضمير عائد إلى السامريّ فينبغي على هذا أن يتصل بقوله { أفلا يرون } [ طه : 89 ] ويكون اعتراضاً . وجعله جمع من المفسرين عائداً إلى موسى ، أي فنسي موسى إلهكم وإلهه ، أي غفل عنه ، وذهب إلى الطور يفتّش عليه وهو بين أيديكم ، وموقع فاء التفريع يبعد هذا التفسير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.