جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ} (88)

وقوله : " فَأخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاٍ جَسَدا لَهُ خُوَار " ٌ يقول : فأخرج لهم السامريّ مما قذفوه ومما ألقاه عجلاً جسدا له خوار ، ويعني بالخوار : الصوت ، وهو صوت البقر .

ثم اختلف أهل العلم في كيفية إخراج السامريّ العجل ، فقال بعضهم : صاغه صياغة ، ثم ألقى من تراب حافر فرس جبرئيل في فمه فخار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة " فَكَذلكَ ألْقَى السّامرِيّ " قال : كان الله وقّت لموسى ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر فلما مضت الثلاثون قال عدوّ الله السامري : إنما أصابكم الذي أصابكم عقوبة بالحليّ الذي كان معكم ، فهلموا وكانت حليا تعيروها من آل فرعون ، فساروا وهي معهم ، فقذفوها إليه ، فصوّرها صورة بقرة ، وكان قد صرّ في عمامته أو في ثوبه قبضة من أثر فرس جبرئيل ، فقذفها مع الحليّ والصورة " فَأَخْرَجَ لَهُمْ عجْلاً جَسَدا لَهُ خُوَارٌ " فجعل يخور خوار البقر ، فقال : " هَذَا إلهُكُمْ وإلَهُ مُوسَى " .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : لما استبطأ موسى قومه قال لهم السامريّ : إنما احتبس عليكم لأجل ما عندكم من الحليّ ، وكانوا استعاروا حليا من آل فرعون فجمعوه فأعطوه السامريّ فصاغ منه عجلاً ، ثم أخذ القبضة التي قبض من أثر الفرس ، فرس الملك ، فنبذها في جوفه ، فإذا هو عجل جسد له خوار ، قالوا : هذا إلهكم وإله موسى ، ولكن موسى نسي ربه عندكم .

وقال آخرون في ذلك بما :

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أخذ السامريّ من تربة الحافر ، حافر فرس جبرئيل فانطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل وواعدهم ثلاثين ليلة ، فأتمها الله بعشر ، قال لهم هارون : يا بني إسرائيل إن الغنيمة لا تحلّ لكم ، وإن حلي القبط إنما هو غنيمة ، فاجمعوها جميعا ، فاحفروا لها حفرة فادفنوها ، فإن جاء موسى فأحلها أخذتموها ، وإلاّ كان شيئا لم تأكلوه . فجمعوا ذلك الحليّ في تلك الحفرة ، فجاء السامريّ بتلك القبضة فقذفها فأخرج الله من الحليّ عجلاً جسدا له خوار ، وعدّت بنو إسرائيل موعد موسى ، فعدوا الليلة يوما ، واليوم يوما فلما كان لعشرين خرج لهم العجل فلما رأوه قال لهم السامريّ : " هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ " فعكفوا عليه يعبدونه ، وكان يخور ويمشي فَكذَلكَ ألْقَى السّامِرِيّ ذلك حين قال لهم هارون : احفروا لهذا الحليّ حفرة واطرحوه فيها ، فطرحوه ، فقذف السامريّ تربته . وقوله : " فقَالَ هَذَا إلهُكُمْ وَإلَه مُوسَى " يقول : فقال قوم موسى الذين عبدوا العجل : هذا معبودكم ومعبود موسى . وقوله فَنَسِيَ يقول : فضلّ وترك .

ثم اختلف أهل التأويل في قوله فَنَسِيَ من قائله ومن الذي وصف به وما معناه ، فقال بعضهم : هذا من الله خبر عن السامريّ ، والسامريّ هو الموصوف به ، وقالوا : معناه : أنه ترك الدين الذي بعث الله به موسى وهو الإسلام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن جُبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : يقول الله : فَنَسِيَ : أي ترك ما كان عليه من الإسلام ، يعني السامري .

وقال آخرون : بل هذا خبر من الله عن السامري ، أنه قال لبني إسرائيل ، وأنه وصف موسى بأنه ذهب يطلب ربه ، فأضلّ موضعه ، وهو هذا العجل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس فَقَذَفْناها يعني زينة القوم حين أمرنا السامريّ لما قبض قبضة من أثر جبرائيل عليه السلام ، فألقى القبضة على حليهم فصار عجلاً جسدا له خوار فَقالُوا هَذَا إلهُكُمْ وإلَهُ مُوسَى الذي انطلق يطلبه فَنَسِيَ يعني : نسي موسى ، ضلّ عنه فلم يهتد له .

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَنَسيَ يقول : طلب هذا موسى فخالفه الطريق .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فَنَسِيَ يقول : قال السامريّ : موسى نسي ربه عندكم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَنَسِيَ موسى ، قال : هم يقولونه : أخطأ الربّ العجل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد فَنَسِيَ قال : نسي موسى ، أخطأ الربّ العجل ، قوم موسى يقولونه .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَنَسِيَ يقول : ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ " قال : يقول : فنسي حيث وعده ربه ههنا ، ولكنه نسي .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا مُعاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ " يقول : نسي موسى ربه فأخطأه ، وهذا العجل إله موسى .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل ذلك القول الذي ذكرناه عن هؤلاء ، وهو أن ذلك خبر من الله عزّ ذكره عن السامريّ أنه وصف موسى بأنه نسي ربه ، وأنه ربه الذي ذهب يريده هو العجل الذي أخرجه السامري ، لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه ، وأنه عقيب ذكر موسى ، وهو أن يكون خبرا من السامريّ عنه بذلك أشبه من غيره .