الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ} (88)

وأخرج ابن مردويه ، عن وهب بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله لما وعد موسى أن يكلمه ، خرج للوقت الذي وعده ، فبينما هو يناجي ربه ، إذ سمع خلفه صوتاً ، فقال إلهي إني أسمع خلفي صوتاً ، قال : لعل قومك ضلوا ، قال : إلهي ، من أضلهم ؟ قال : السامري . قال : كيف أضلهم ؟ قال : صاغ لهم { عجلاً جسداً له خوار } قال : إلهي هذا السامري صاغ لهم العجل : فمن نفخ فيه الروح حتى صار له خوار ؟ قال : أنا يا موسى ، قال : فبعزتك ، ما أَضَلَّ قومي أحد غيرك . قال : صدقت . قال : يا حكيم الحكماء ، لا ينبغي حكيم أن يكون أحكم منك » .

وأخرج ابن جرير في تهذيبه ، عن راشد بن سعد قال : إن موسى لما قدم على ربه - واعد قومه أربعين ليلة - قال : يا موسى ، إن قومك قد افتتنوا من بعدك . قال : يا رب كيف يفتنون ؟ وقد نجيتهم من فرعون ، ونجيتهم من البحر ، وأنعمت عليهم ، وفعلت بهم ؟ ! قال : يا موسى إنهم اتخذوا من بعدك عجلاً له خوار قال : يا رب ، فمن جعل فيه الروح ؟ قال : أنا . قال : فأنت يا رب أضللتهم . قال : يا موسى ، يا رأس النبيين ، ويا أبا الحكام ، إني رأيت ذلك في قلوبهم ، فيسرته لهم .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن علي رضي الله عنه قال : لما تعجل موسى إلى ربه ، عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلي بني إسرائيل فضربه عجلاً ، ثم ألقى القبضة في جوفه ، فإذا هو عجل جسد له خوار فقال لهم السامري : { هذا إلهكم وإله موسى } فقال لهم هارون : { يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً } فلما أن رجع موسى أخذ رأس أخيه ، فقال له هارون ما قال ، فقال موسى للسامري : { ما خطبك } فقال : { قبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي } فعمد موسى إلى العجل ، فوضع عليه المبارد فبرده بها وهو على شطر نهر ، فما شرب أحد من ذلك الماء - ممن كان يعبد ذلك العجل - إلا اصفر وجهه مثل الذهب ! فقالوا : يا موسى ، ما توبتنا ؟ قال : يقتل بعضكم بعضاً ، فأخذوا السكاكين ، فجعل الرجل يقتل أباه وأخاه وابنه ، لا يبالي من قتل ، حتى قتل منهم سبعون ألفاً ! فأوحى الله إلى موسى : مرهم فليرفعوا أيديهم ، فقد غفرت لمن قتل ، وتبت على من بقي .

وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما هجم فرعون على البحر وأصحابه - وكان فرعون على فرس أدهم حصان ، هاب الحصان أن يقتحم البحر ، فمثل له جبريل على فرس أنثى ، فلما رآها الحصان هجم خلفها ، وعرف السامري جبريل - لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه - فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه ، في واحدة لبناً ، وفي الأخرى عسلاً ، وفي الأخرى سمناً ، فلم يزل يغذوه حتى نشأ ، فلما عاينه في البحر عرفه ، فقبض قبضة من أثر فرسه .

قال أخذ من تحت الحافر قبضة ، وألقى في روع السامري : إنك لا تلقيها على شيء فتقول كن كذا إلا كان ، فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر ، فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر ، أغرق الله آل فرعون . قال موسى لأخيه هارون { اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } ومضى موسى لموعد ربه ، وكان مع بني إسرائيل حلي من حلي آل فرعون ، فكأنهم تأثموا منه ، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله ، فلما جمعوه قال السامري : بالقبضة هكذا ، فقذفها فيه ، وقال : كن عجلاً جسداً له خوار فصار { عجلاً جسداً له خوار } فكان يدخل الريح من دبره ، ويخرج من فيه يسمع له صوت ! فقال { هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا } على العجل يعبدونه . فقال هارون : { يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري } { قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } .

وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كان السامري رجلاً من أهل ماجرما ، وكان من قوم يعبدون البقر ، فكان يحب عبادة البقر في نفسه ، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل ، فلما فصل موسى إلى ربه قال لهم هارون : إنكم قد حملتم { أوزاراً من زينة القوم } آل فرعون ومتاعاً وحلياً فتطهروا منها ، فإنها رجس ، وأوقد لهم ناراً ، فقال : اقذفوا ما معكم من ذلك فيها ، فجعلوا يأتون بما معهم فيقذفون فيها ، ورأى السامري أثر فرس جبريل ، فأخذ تراباً من أثر حافره ، ثم أقبل إلى النار ، فقال لهارون يا نبي الله ، ألقي ما في يدي ؟ قال : نعم . ولا يظن هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة فقذفه فيها فقال : كن { عجلاً جسداً له خوار } ، فكان للبلاء والفتنة . فقال : { هذا إلهكم وإله موسى } { فعكفوا عليه } وأحبوه حباً لم يحبوا مثله شيئاً قط : يقول الله : { فنسي } أي ترك ما كان عليه من الإسلام ، يعني السامري { أفلا يرون أَلاَّ يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً } وكان اسم السامري : موسى بن ظفر وقع في أرض مصر ، فدخل في بني إسرائيل ، فلما رأى هارون ما وقعوا فيه قال : { يا قوم ، إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } فأقام هارون فيمن معه من المسلمين مخافة أن يقول له موسى : { فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي } وكان له سامعاً مطيعاً .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن هارون مر بالسامري وهو يتنحت العجل فقال له : ما تصنع ؟ قال : اصنع ما لا يضر ولا ينفع ! فقال هارون : اللهم أعطه ما سأل على ما في نفسه ، ومضى هارون فقال السامري : اللهم إني أسألك أن يخور ، فخار . فكان إذا خار سجدوا له ، وإذا خار رفعوا رؤوسهم .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن بني إسرائيل استعاروا حليا من القبط ، فخرجوا به معهم ، فقال لهم هارون : قد ذهب موسى إلى السماء اجمعوا هذا الحلي حتى يجيء موسى ، فيقضي فيه ما قضى ، فجمع ثم أذيب ، فلما ألقى السامري القبضة تحول { عجلاً جسداً له خوار } فقال : { هذا إلهكم وإله موسى فنسي } قال : إن موسى ذهب يطلب ربه ، فضل فلم يعلم مكانه وهو هذا .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن علي رضي الله عنه قال : إن جبريل لما نزل فصعد بموسى إلى السماء ، بصر به السامري من بين الناس ، فقبض قبضة من أثر الفرس ، وحمل جبريل موسى خلفه حتى إذا دنا من باب السماء صعد ، وكتب الله الألواح ، وهو يسمع صرير الأقلام في الألواح ، فلما أخبره أن قومه قد فتنوا من بعده ، نزل موسى فأخذ العجل فأحرقه .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان السامري من أهل كرمان .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه قال انطلق موسى إلى ربه فكلمه قال له : { ما أعجلك عن قومك يا موسى } { قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى } قال : { فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري } فلما خبره خبرهم قال : يا رب ، هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل . أرأيت الروح من نفخها فيه ؟ قال الرب : أنا . قال : يا رب . فأنت إذاً أضللتهم . ثم رجع { موسى إلى قومه غضبان أسفاً } قال : حزيناً { قال يا قوم ألم يَعِدَكُم ربكم وعداً حسناً } إلى قوله : { ما أخلفنا موعدك بملكنا } يقول : بطاقتنا { ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم } يقول : من حلي القبط : { فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلاً جسداً خوار } { فعكفوا عليه يعبدونه } وكان يخور ويمشي . فقال لهم هارون : { يا قوم إنما فتنتم به } يقول ابتليتم بالعجل . قال : { فما خطبك يا سامري } ما بالك . إلى قوله : { وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليك عاكفاً لنحرقنه } قال : فأخذه فذبحه ثم خرقه بالمبرد . يعني سحكه ، ثم ذراه في اليم . فلم يبق نهر يجري يومئذ إلا وقع فيه منه شيء ، ثم قال لهم موسى : اشربوا منه ، فشربوا .

فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب ، فذلك حين يقول : { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } قال : فلما سقط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى { ورأوا أنهم قد ضلوا ، قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين } فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل ؛ إلا بالحال التي كرهوا أنهم كرهوا أن يقاتلوهم ، حين عبدوا العجل { فقال موسى يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم ، فاقتلوا أنفسكم } فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف ، فكان من قتل من الفريقين شهيداً ، حتى كثر القتل ، حتى كادوا أن يهلكوا ، حتى قتل منهم سبعون ألفاً ، وحتى دعا موسى وهارون : ربنا هلكت بنو إسرائيل ، ربنا البقية . . . البقية ، فأمرهم أن يضعوا السلاح ، وتاب عليهم ، فكان من قتل منهم . . . . كان شهيداً ، ومن بقي كان مكفراً عنه ، فذلك قوله تعالى : { فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } ثم إن الله تعالى أمر موسى : أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ، فوعدهم موعداً { فاختار موسى سبعين رجلاً } ثم ذهب ليعتذروا من عبادة العجل ، فلما أتوا ذلك ، قالوا : { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } فإنك قد كلمته فأرناه { فأخذتهم الصاعقة } فماتوا فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول : رب . ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ؟ { رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } فأوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل . فذلك حين يقول موسى : { إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء } الآية .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { أفطال عليكم العهد } يقول : الوعد وفي قوله : { فأخلفتم موعدي } يقول : عهدي وفي قوله : { ما أخلفنا موعدك بملكنا } بأمر ملكنا { ولكنا حملنا أوزاراً } قال : أثقالاً من زينة القوم ، وهي الحلي الذي استعاروه من آل فرعون { فقذفناها } قال : فألقيناها { فكذلك ألقى السامري } قال : كذلك صنع { فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار } قال : حفيف الريح فيه . فهو خواره ، والعجل ولد البقرة .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { بملكنا } قال : بأمرنا .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ما أخلفنا موعدك بملكنا } قال : بطاقتنا .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي مثله .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { بملكنا } قال : بسلطاننا .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن يحيى أنه قرأ { بملكنا } وملكنا . واحد .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله : { هذا إلهكم وإله موسى فنسي } قال : نسي موسى أن يذكر لكم : إن هذا إلهه !

88