قوله تعالى : { ونزعنا } ، أخرجنا ، { ما في صدورهم من غل } ، هو الشحناء والعداوة والحقد والحسد ، { إخواناً } ، نصب على الحال ، { على سرر } جمع سرير { متقابلين } ، يقابل بعضهم بعضا ، لا ينظر أحد منهم إلى قفا صاحبه . وفى بعض الأخبار : إن المؤمن في الجنة إذا ود أني يلقى أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منها إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان .
{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } فتبقى قلوبهم سالمة من كل دغل{[455]} وحسد متصافية متحابة { إخوانا على سرر متقابلين }
دل ذلك على تزاورهم واجتماعهم وحسن أدبهم فيما بينهم في كون كل منهم مقابلا للآخر لا مستدبرا له متكئين على تلك السرر المزينة بالفرش واللؤلؤ وأنواع الجواهر .
{ ونزعنا } في الدنيا بما ألف بين قلوبهم ، أو في الجنة بتطييب نفوسهم . { ما في صدورهم من غلٍّ } من حقد كان في الدنيا وعن علي رضي الله تعالى عنه : أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم ، أو من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب . { إخوانا } حال من الضمير في جنات ، أو فاعل ادخلوها أو الضمير في آمنين أو الضمير المضاف إليه ، والعامل فيها معنى الإضافة وكذا قوله : { على سرر متقابلين } ويجوز أن يكون صفتين لإخوانا أو حال من ضميره لأنه بمعنى متصافين ، وأن يكون متقابلين حالا من المستقرين على سرر .
وذكر الله تعالى في هذه الآية أنه ينزع الغل من قلوب أهل الجنة ، ولم يذكر لذلك موطناً ، وجاء في بعض الحديث أن ذلك على الصراط ، وجاء في بعضها أن ذلك على أبواب الجنة ، وفي لفظ بعضها أن الغل ليبقى على أبواب الجنة كمعاطن الإبل{[7178]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا على أن الله تعالى يجعل ذلك تمثيلاً بلون يخلقه هناك ونحوه ، وهذا كحديث ذبح الموت{[7179]} ، وقد يمكن أيضاً أن يسل من الصدور ، ولذلك جواهر سود فيكون كمبارك الإبل ، وجاء في بعض الأحاديث أن نزع الغل إنما يكون بعد استقرارهم في الجنة .
قال القاضي أبو محمد : والذي يقال في هذا أن الله ينزعه في موطن من قوم وفي موطن من آخرين ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله تعالى فيهم : { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين } . وذكر أن ابناً لطلحة كان عنده{[7180]} فاستأذن الأشتر فحبسه مدة ثم أذن له فدخل ، فقال ألهذا حبستني وكذلك لو كان ابن عثمان حبستني له فقال علي نعم إني وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم { ونزعنا ما في صدورهم من غل } الآية .
قال القاضي أبو محمد : وقد روي أن المستأذن غير الأشتر و { إخواناً } نصب على الحال{[7181]} ، وهذه أخوة الدين والود ، والأخ من ذلك يجمع على إخوان وإخوة أيضاً ، والأخ من النسب يجمع أخوة وإخاء ، ومنه قول الشاعر :
وأي بني الإخاء تصفو مذاهبه{[7182]} . . . ويجمع أيضاً إخواناً و { سرر } جمع سرير ، و { متقابلين } الظاهر أن معناه في الوجوه ، إذ الأسرة متقابلة فهي أحسن في الرتبة ، قال مجاهد لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه ، وقيل { متقابلين } في المودة ، وقيل غير هذا مما لا يعطيه اللفظ .
جملة ونزعنا ما في صدورهم من غل } عطف على الخبر ، وهو { في جنات وعيون } . والتقدير : إن المتقين نزعنا ما في صدورهم من غِلّ .
والغِلّ بكسر الغين البغض . وتقدم في قوله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار } في سورة الأعراف ( 43 ) ، أي ما كان بين بعضهم من غلّ في الدنيا .
و{ إخواناً } حال ، وهو على معنى التشبيه ، أي كالإخوان ، أي كحال الإخوان في الدنيا .
وأول من يدخل في هذا العموم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم من الحوادث الدافع إليها اختلاف الاجتهاد في إقامة مصالح المسلمين ، والشدة في إقامة الحق على حسب اجتهادهم . كما روي عن علي كرّم الله وجهه أنه قال : إني لأرجو من أن أكون أنا وطلحة ممن قال الله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً } . فقال جاهل من شيعة عليّ اسمه الحارث بن الأعور الهمذاني : كلا ، اللّهُ أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد . فقال عليّ : « فلمن هذه الآية لا أمّ لك بِفيك التراب » .
والسرر : جمع سرير . وهو محمل كالكرسي متّسع يمكن الاضطجاع عليه . والاتّكاء : مجلس أصحاب الدعة والرفاهية لتمكن الجالس عليه من التقلّب كيف شاء حتى إذا ملّ جِلسة انقلب لغيرها .
والتقابل : كون الواحد قبالة غيره ، وهو أدخل في التأنس بالرؤية والمحَادثة .