قوله تعالى : { يمحق الله الربا } . أي ينقصه ويهلكه ويذهب ببركته ، وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ( يمحق الله الربا ) يعني لا يقبل منه صدقة ولا جهاداً ولا حجاً ولا صلة .
قوله تعالى : { ويربي الصدقات } . أي يثمرها ويبارك فيها في الدنيا ، ويضاعف بها الأجر والثواب في العقبى . قوله تعالى : { والله لا يحب كل كفار } . بتحريم الربا .
ثم قال تعالى : { يمحق الله الربا } أي : يذهبه ويذهب بركته ذاتا ووصفا ، فيكون سببا لوقوع الآفات فيه ونزع البركة عنه ، وإن أنفق منه لم يؤجر عليه بل يكون زادا له إلى النار { ويربي الصدقات } أي : ينميها وينزل البركة في المال الذي أخرجت منه وينمي أجر صاحبها وهذا لأن الجزاء من جنس العمل ، فإن المرابي قد ظلم الناس وأخذ أموالهم على وجه غير شرعي ، فجوزي بذهاب ماله ، والمحسن إليهم بأنواع الإحسان ربه أكرم منه ، فيحسن عليه كما أحسن على عباده { والله لا يحب كل كفار } لنعم الله ، لا يؤدي ما أوجب عليه من الصدقات ، ولا يسلم منه ومن شره عباد الله { أثيم } أي : قد فعل ما هو سبب لإثمه وعقوبته .
{ يمحق الله الربا } يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه . { ويربي الصدقات } يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه ، وعنه عليه الصلاة والسلام " إن الله يقبل الصدقة ويربيها كما يربي أحدكم مهره " . وعنه عليه الصلاة والسلام " ما نقصت زكاة من مال قط " { والله لا يحب } لا يرضى ولا يحب محبته للتوابين . { كل كفار } مصر على تحليل المحرمات . { أثيم } منهمك في ارتكابه .
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ( 276 )
{ يمحق } معناه : ينقص ويذهب ، ومنه محاق القمر وهو انتقاصه ، { ويربي الصدقات } معناه ينميها ويزيد ثوابها تضاعفاً ، تقول : ربت الصدقة وأرباها الله تعالى ورباها وذلك هو التضعيف لمن يشاء ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن صدقة أحدكم لتقع في يد الله فيربيها له كما يربي أحدكم فصيله ، أو فلوه ، حتى يجيء يوم القيامة وأن اللقمة لعلى قدر أحد »( {[2719]} ) .
قال القاضي أبو محمد : وقد جعل الله هذين الفعلين بعكس ما يظنه الحريص الجشع من بني آدم ، يظن الربا يغنيه وهو في الحقيقة ممحق ، ويظن الصدقة تفقره وهي نماء في الدنيا والآخرة( {[2720]} ) ، وقرأ ابن الزبير : «يُمحِّق الله » بضم الياء وكسر الحاء مشددة ، «ويرَبّي » بفتح الراء وشد الباء ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك .
وقوله تعالى : { والله لا يحب كل كفار أثيم } يقتضي أن الزجر في هذه الآيات للكفار المستحلين للربا القائلين على جهة التكذيب للشرع { إنما البيع مثل الربا }( {[2721]} ) ووصف الكفار ب { أثيم } ، إما مبالغة من حيث اختلف اللفظان ، وإما ليذهب الاشتراك الذي في كفار ، إذ قد يقع على الزارع الذي يستر الحب في الأرض( {[2722]} ) ، قاله ابن فورك( {[2723]} ) قال ومعنى قوله : { والله لا يحب } أي لا يحب الكفار الأثيم .
قال القاضي أبو محمد : محسناً صالحاً بل يريده مسيئاً فاجراً ، ويحتمل أن يريد والله لا يحب توفيق الكفار الأثيم .
وهذه تأويلات مستكرهة ، أما الأول فأفرط في تعدية الفعل وحمله من المعنى ما لا يحتمله لفظه ، وأما الثاني فغير صحيح المعنى ، بل الله تعالى يحب التوفيق على العموم ويحببه ، والمحب في الشاهد يكون منه ميل إلى المحبوب ولطف به ، وحرص على حفظه ، وتظهر دلائل ذلك ، والله تعالى يريد وجود الكافر( {[2724]} ) على ما هو عليه ، وليس له عنده مزية الحب بأفعال تظهر عليه نحو ما ذكرناه في الشاهد ، وتلك المزية موجودة للمؤمن( {[2725]} ) .