الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (276)

قوله تعالى : { يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي } : الجمهورُ على التخفيفِ في الفعلين من مَحَقَ وأَرْبى . وقرأ ابن الزبير : ورُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يُمْحِّق ويُرَبِّي " بالتشديدِ فيهما من " مَحَّق ورَبَّى " بالتشديدِ فيهما .

وقوله : { سَلَفَ } سَلَفَ بمعنى مَضَى وانقضى ، ومنه : سالفُ الدهرِ ، وله سَلَفٌ صالح : آباءٌ متقدِّمون . ومنه

{ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً } أي : أمةً متقدمةً يَعتبر بهم مَنْ بعدهم . ويُجمع السَّلَفُ على : أَسْلاف وسُلوف . والسالِفَةُ والسُّلاف : المتقدِّمون في حربٍ أو سفرٍ . والسالفةُ من الوجه لتقدُّمها . قال :

ومَيَّةُ أحسنُ الثَّقَلَيْنِ جِيداً *** وسالفةً وأَحْسَنْه قَذالا

وسُلافة الخمر قيل لها ذلك لتقدُّمها على العَصْرِ . والسُّلْفَةُ ما يُقَدَّم من الطعامِ للضيفِ . يُقال : " سَلِّفوا ضيفكم ولَهِّنوه " أي : بادِروه بشيء ما . ومنه : السَّلَفُ في الدَّيْن لأنه تقدَّمه مالٌ .

وقوله : { عَادَ } أي : رَجَعَ ، يُقال : عادَ يعود عَوْداً ومَعاداً ، وعن بعضهم أنها تكونَ بمعنى صار ، وعليه :

وبالمَحْضِ حتى عاد جَعْداً عَنَطْنَطَا *** إذا قام ساوى غاربَ الفَحْلِ غاربُه

وأنشدوا :

تُعِدُّ لكم جَزْرُ الجَزُورِ رماحُنا *** ويَرْجِعْنَ بالأسيافِ مُنْكَسِرَاتِ

والمَحْقُ : النقصُ ، يُقال : مَحَقْتُهُ فانمَحَقَ ، وامتَحَقَ ، ومنه المُحاق في القمر ، قال :

يَزْداد حتى إذا ما تَمَّ أَعقَبهُ *** كَرُّ الجديدَيْنِ نَقْصاً ثم يَنْمَحِقُ

وأنشد ابن السكيت :

وَأَمْصَلْتُ مالي كلَّه بحياتِهِ *** وماسُسْتَ من شيءٍ فَرَبُّكَ ماحِقُهْ

ويقال : هَجِيرٌ ماحِقٌ : إذا نَقَصَ كلُّ شىءٍ بِحَرِّه .

وقد اشتملَتْ هذه الآيةُ على نوعين من البديع ، أحدُهما : الطباقُ في قولِه : " يَمْحَقُ ويُرْبي " فإنهما ضِدَّان ، نحو : { أَضْحَكَ وَأَبْكَى } [ النجم : 43 ] ، والثاني : تجنيسُ التغايرِ في قولِهِ : " الرِّبا ويُرْبى " إذ أحدُهما اسمٌ والآخرُ فِعْلٌ .