غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (276)

275

ثم إنه تعالى لما بالغ في الزجر عن الربا وكان قد بالغ في الآي السالفة في الحث على الصدقات ، ذكر ما يجري مجرى الداعي إلى ترك الربا وفعل الصدقة فقال { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } والمحق نقص الشيء حالاً بعد حال ومنه " محاق القمر " وكل من محق الربا وإرباء الصدقات إما في الدنيا وإما في الآخرة . وذلك أن الغالب في المرابي وإن كثر ماله أن تؤل عاقبته إلى الفقر وتزول البركة عن ماله .

عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الربا وإن كثر إلى قل " وذلك لدعاء الناس عليه وبغضهم إياه لسقوط عدالته وشهرته بالفسق والعدوان ، وربما يطمع الظلمة في ماله ظناً منهم من أن المال في الحقيقة ليس له . وعن ابن عباس في تفسير هذا المحق أن الله تعالى لا يقبل منه صدقة ولا جهاداً ولا حجاً ولا صلة . ثم إن مال الربا لا يبقى عند الموت وتبقى التبعة عليه . وقد ثبت في الحديث " أن الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام " هذا حال الغني من الحلال فكيف حال الغني من الحرام المقطوع بحرمته ؟ قال القفال : نظير قوله { يمحق الله الربا } المثل الذي ضربه فيما تقدم { كمثل صفوان عليه تراب }[ البقرة : 264 ] ونظير قوله : { ويربي الصدقات } المثل الآخر { كمثل جنة بربوة }[ البقرة : 265 ] . { كمثل حبة أنبتت سبع سنابل }[ البقرة : 261 ] عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقبل الصدقات ولا يقبل منها إلا الطيب ويأخذها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم مهره أو فلوه حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد " وأيضاً المتصدق يزداد كل يوم جاهه وذكره الجميل وتميل القلوب إليه وتنقطع الأطماع عنه متى اشتهر منه أنه متشمر لإصلاح مهمات الضعفاء وسد خلة الفقراء ، فتبين أن الربا وإن كان زيادة في المال إلا أنه نقصان في المآل ، والصدقة وإن كانت نقصاناً في الحال إلا أنها زيادة في الاستقبال . فعلى العاقل أن لا يلتفت إلى ما يقضي به الحس والطبع ويعوّل على ما ندب إليه العقل والشرع { والله لا يحب كل كفار أثيم } الكفار فعال من الكفر ومعناه المقيم على ذلك ، والصيغة للمزاولة ك " تمار وقوال " والأثيم " فعيل " بمعنى " فاعل " وهو أيضا للمبالغة في الاستمرار على اكتساب الآثام ، وذلك لا يليق إلا بمن ينكر تحريم الربا فيكون جاحداً . ووجه آخر وهو أن يكون الكفار عائداً إلى المستحل ، والأثيم إلى الآكل مع اعتقاد التحريم . ويحتمل أن يعود كلاهما إلى أكل الربا ويكون تغليظاًَ في أمر الربا وإيذاناً بأنه من فعل الكفرة لا من فعل المسلمين . وفي الآية دلالة على أنه تعالى سبقت رحمته غضبه . بيانه أنه لم ينف المحبة إلا عن الجامع بين الإصرار على الكفر وبين المواظبة على سائر الآثام كالربا . فإن استحلاله كفر وهو في نفسه إثم مذموم في جميع الأديان ، لأنه سلب مال المحتاج بنوع من الإكراه والإلجاء ، فتبقى الآية ساكنة عمن جمع بين الأمرين لا على سبيل الإصرار والمواظبة وعن الذي لم يجمع بينهما . نعم قد عرف بدليل آخر أن الكفار الذي لم يواظب على سائر الآثام لا يستأهل محبة الله تعالى وذلك لا ينافي السكوت عن حكمه ههنا والله أعلم .

/خ281