نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (276)

ولما كان المرغب في الربا ما فيه من الربح الناجز{[13554]} المشاهد ، والمفتر{[13555]} عن الصدقة كونها{[13556]} نقصاً محققاً{[13557]} بالحس بيّن أن الربا وإن كان بصورة الزيادة فهو نقص وأن الصدقة وإن كانت بصورة النقص فهي زيادة{[13558]} لأن ذلك إنما هو بيده سبحانه وتعالى {[13559]}فما شاء{[13560]} محقه وإن كان كثيراً أو ما أراد نماه{[13561]} وإن كان يسيراً فقال كالتعليل{[13562]} للأمر بالصدقة والنهي عن الربا {[13563]}ولكون فاعله من أهل النار : { يمحق الله } أي بما له من الجلال والقدرة { الربا } بما يفتح له من أبواب المصارف . قال الحرالي : والمحق الإذهاب بالكلية بقوة وسطوة { ويربي الصدقات{[13564]} } أي يزيد الصدقات بما يسد عنها مثل ذلك ويربح في تقلباتها ؛ ويجوز كونه استئنافاً وذلك أنه لما تقرر{[13565]} أن فاعليه من أصحاب النار ساقه مساق الجواب لمن كأنه قال : وإن تصدقوا من أموال الربا وأنفقوا في سبيل{[13566]} الخير ! إعلاماً بأن الربا مناف للخير فهو مما يكون هباء منثوراً . ولما آذن جعلهم من أصحاب النار أن من لم ينته عن الربا أصلاً أو انتهى وعاد إلى فعله مرتبك في شرك الشرك قاطع{[13567]} نحوه عقبات : ثنتان منها في انتهاك حرمة{[13568]} الله : ستر آياته في عدم الانتهاء ، والاستهانة بها في العود إليه ، الثالثة انتهاك حرمة عباد الله فكان إثمه متكرراً {[13569]}مبالغاً فيه{[13570]} لا {[13571]}يقع إلا كذلك{[13572]} عبر سبحانه وتعالى بصيغة المبالغة في قوله عطفاً على ما تقديره تعليلاً لما قبله : فالمتصدق مؤمن كريم والمربي كفار أثيم : { والله } المتصف بجميع صفات الكمال { لا يحب كل كفار } أي في واجب الحق بجحد{[13573]} ما شرع من آياته وسترها والاستهانة بها ، أو كفار لنعمته{[13574]} سبحانه وتعالى بالاستطالة بما أعطاه على سلب{[13575]} ما أعطى{[13576]} عباده { أثيم * } في واجب الخلق ، أي منهمك في تعاطي ما حرم من اختصاصاتهم بالربا وغيره ، فلذا{[13577]} لا يفعل معهم سبحانه وتعالى فعل المحب لا بالبركة في أموالهم ولا باليمن{[13578]} في أحوالهم ، وهذا النفي من عموم السلب ، وطريقه{[13579]} أنك تعتبر النفي أولاً ثم تنسبه إلى الكل ، فيكون المعنى : انتفى عن كل كفار أثيم حبه ، وكذا كل ما ورد عليك من أشباهه إن اعتبرت النسبة إلى الكل أولاً ثم نفيت فهو لسلب العموم ، وإن اعتبرت النفي أولاً ثم نسبته إلى الكل فلعموم السلب ، وكذلك جميع{[13580]} القيود ؛ {[13581]}فالكلام المشتمل{[13582]} على نفي وقيد قد يكون لنفي التقييد وقد يكون لتقييد النفي ، فمثل : ما ضربته تأديباً ، أي{[13583]} بل إهانة ، سلب للتعليل والعمل للفعل ، وما ضربته إكراماً له ، أي{[13584]} تركت ضربه للإكرام{[13585]} ، تعليل للسلب والعمل للنفي ، وما جاءني راكباً ، أي بل ماشياً ، نفي للكيفية ، وما حج مستطيعاً ، أي ترك الحج مع الاستطاعة ، تكييف{[13586]} للنفي ؛ وقد أشبع{[13587]} الشيخ سعد الدين التفتازاني رحمه الله تعالى الكلام في ذلك في شرحه للمقاصد في بحث الرؤية عند {[13588]}استدلال المعتزلة بقوله{[13589]} تعالى : لا تدركه الأبصار{[13590]} }[ الأنعام : 104 ] .


[13554]:من ظ ومد، وفي الأصل: الشاهد والفتر.
[13555]:من ظ ومد، وفي الأصل: الشاهد والفتر.
[13556]:من م ومد وظ، وفي الأصل: نقص مخففا ـ كذا.
[13557]:من م ومد وظ، وفي الأصل: نقص مخففا ـ كذا.
[13558]:ما بين الحاجزين زيد من م ومد وظ غير ان في ظ: كان ـ مكان: كانت.
[13559]:في ظ: أنشأ.
[13560]:في ظ: أنشأ.
[13561]:من م ومد وظ، وفي الأصل: نماوه.
[13562]:في ظ: كالقليل.
[13563]:من م وظ، وفي الأصل: ومد: أو.
[13564]:سقط من م ومد وظ.
[13565]:من م ومد وظ، وفي الأصل: يقرر.
[13566]:في ظ: سبل.
[13567]:في الأصل: فاقطع، والتصحيح من م وظ ومد.
[13568]:العبارة المحجوزة زيدت من م ومد وظ غير أن في م "بما" مكان "بها".
[13569]:من م ومد وظ، وفي الأصل: بالعافية.
[13570]:من م ومد وظ، وفي الأصل: بالعافية.
[13571]:في ظ: إلا.
[13572]:زيد في ظ: فلذا والله أعلم.
[13573]:من ظ، وفي م ومد: يجحد، وفي الأصل: جحد.
[13574]:في ظ: النعمة.
[13575]:في الأصل: أسلب، والتصحيح من بقية الأصول.
[13576]:في م: أعطاه.
[13577]:من م ومد وظ، وفي الأصل: فكذا.
[13578]:في الأصل: بالتمن، والتصحيح من م ومد وظ.
[13579]:من مد وظ، وفي الأصول طريقة، وفي م: طريقي.
[13580]:من م ومد وظ، وفي الأصل: لجميع.
[13581]:من مد وظ، وفي م: فالكلام مشتمل. وفي الأصل: بالكلام المشتمل.
[13582]:في ظ: في مثل.
[13583]:زيد من م وظ ومد.
[13584]:زيد في الأصل "ما" ولم تكن الزيادة في م وظ ومد فحذفناها.
[13585]:من م ومد وظ، وفي الأصل: الاكرام.
[13586]:من م ومد وظ، وفي الأصل: تكيف.
[13587]:في م: أشنع ـ كذا.
[13588]:من م ومد وظ، وفي الأصل: الاستدلال للمعتزلة قوله.
[13589]:من م ومد وظ، وفي الأصل: الاستدلال للمعتزلة قوله.
[13590]:سورة 6 آية 104.