وقوله تعالى : { يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات }[ البقرة :276 ]
{ يَمْحَقُ } : معناه : ينقص ، ويذهب ، ومنه : مِحَاقُ القَمَرِ ، وهو انتقاصه ، { وَيُرْبِي الصدقات } : معناه : ينميها ، ويزيد ثوابها تضاعفاً ، تقولُ : رَبَتِ الصدقةُ ، وأرْبَاهَا اللَّه تعالى ، وربَّاهَا ، وذلك هو التضعيفُ لمن يشاء ، ومنه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ صَدَقَةَ أَحَدِكُمْ لَتَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ تعالى ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أوْ فَصِيلَهُ ، حتى تَجِيءَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وأِنَّ اللُّقْمَةَ لعلى قَدْرِ أُحُدٍ ) .
قال ( ع ) : وقد جعل اللَّه سبحانه هذَيْن الفعلَيْن بعَكْس ما يظنُّه الحريصُ الجَشِيعُ من بني آدم ، إِذ يظن الربا يغنيه ، وهو في الحقيقة مُمْحَقٌ ، ويظن الصدَقَةَ تُفْقِرُه ، وهي في الحقيقة نماءٌ في الدنيا والآخرة ، وعن يزيدَ بْنِ أبي حَبِيبٍ ، أن أبا الخَيْرِ حدَّثه ، أنَّه سمع عقبة ابن عَامِرٍ يقولُ : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( كُلُّ امرئ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ ، حتى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ ) أوْ قَالَ : ( حتى يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ ) ، قال يزيد : وكان أبو الخَيْرِ لاَ يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لاَ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ فِيهِ ، وَلَوْ كَعْكَةٍ أَوْ بَصَلَةٍ ) ، قال الحاكم : صحيحٌ على شرط مسلمٍ ، ولم يخرِّجاه ، يعني : البخاريَّ ومسلماً ، انتهى من «الإلمام في أحاديث الأحكام » ، لابن دقيقِ العيدِ .
قال الشيخُ ابن أبي جَمْرَة : ولا يُلْهَمُ لِلصدقةِ إِلاَّ مَنْ سبقَتْ له سابقةُ خَيْر ، انتهى .
قال أبو عمر في «التمهيد » : وروي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أنَّهُ قَالَ : ( مَا أَحْسَنَ عَبْدٌ الصَّدَقَةَ إِلاَّ أَحْسَنَ اللَّهُ الخِلاَفَةَ على بَنِيهِ ، وَكَانَ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ، وحُفِظَ فِي يَوْمِ صَدَقَتِهِ مِنْ كُلِّ عَاهَةٍ وَآفَةٍ ) ، انتهى .
وروى أبو داود في «سننه » ، أنَّ سَعْدَ بْنَ عْبَادَةَ ، قَالَ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ ، فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : ( المَاءُ ، فَحَفَرَ بئْراً ، وَقَالَ : هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ ) . وروى أبو داود في «سننه » ، عن أبي سعيدٍ ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلَماً ثَوْباً على عُرْيٍ ، كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ ، وأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِماً على جُوعٍ ، أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سقى مُسْلِماً على ظَمَإٍ ، سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ ) ، انتهى .
وقوله تعالى : { والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } يقتضي الزجْرَ للكفَّارِ المستحلِّين للربا ، ووصْف «الكَفَّار » ب «أثيم » إِما مبالغةٌ من حيثُ اختلف اللفظانِ ، وإِما ليذهب الاشتراكُ الذي في «كَفَّار » ، إِذ قد يقع على الزَّارِعِ الذي يستر الحَبَّ في الأرض ، قاله ابنُ فُورَكَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.